مقالات

القدس هي المحور

لا يخفى على أحد ما تشهده فلسطين العزيزة عموماً، والقدس خصوصاً من هجمة صهيونية شرسة، ضد أهلنا ومقدساتنا، بهدف فرض الأمر الواقع الصهيوني على الفلسطينيين وعلى كلّ حرّ يؤمن بعدالة القضية الفلسطينية، وفي ظلّ التواطؤ العالمي والمحلي مع الكيان الغاصب.

ولا شكّ في أنّ انحياز الدول الكبرى عالمياً إلى الكيان الصهيوني، هو انحياز مفهوم الأسباب، لأنّ هذه الدول كانت وما زالت دولاً استعمارية إجرامية، تنهب الثروات وتقتل الأبرياء وتصادر استقلال الدول المستضعفة، وإن اختلفت أشكال الاستعمار والإجرام نوعاً ما بين التاريخ والحاضر.

والمشروع الاستعماري الإجرامي العالمي لا يمكن له أن يستغني عن أداته الأشد خبثاً وفتكاً، وهي الكيان المؤقت وغير الشرعي “إسرائيل”، التي زُرعت في أكثر البقاع أهمية من مختلف النواحي الاستراتيجية، وكذلك من النواحي التاريخية والثقافية والدينية.

لكن غير المفهوم ولا المعقول هو تواطؤ هذه الدول المسكينة، الدول التي تنتمي إلى ما يُدعى الأمة العربية والإسلامية، والتي انتقل بعضها حالياً إلى مرتبة التحالف الاستراتيجي مع العدو الغاصب، وأصبحت لا ترى وجودها ولا سياستها ولا اقتصادها ولا حتى تاريخها وثقافتها ودينها إلا بعيون صهيونية؛ فيالَ العجب العُجاب !

لكنْ لهذا الانتقال ضمن خط التطبيع الذليل أسبابه العميقة والخطيرة؛ ليس لدى هذه الدول المطبعة، ولكن لدى من أملى عليها قرار التطبيع، ولدى الكيان الغاصب؛ وخلاصة هذه الأسباب فشلُ المشروع الاجتماعي والمدني الصهيوني؛ الذي عجز عن دمج الشعب الفلسطيني ضمن الرؤية الصهيونية، رغم كل محاولات الأسرلة المستمرة، وأدواتها الكثيرة المتوزعة ما بين ترغيب وترهيب؛ فقرر الصهيوني والاستعماري الانتقال من المركز “فلسطين” إلى الأطراف “دول التطبيع” لعلّه يحقّق هناك نصراً يمكن أن يستثمره في “المركز” ضد أصحاب الأرض والحقوق !

بعد أكثر من سبعين عاماً من الاحتلال، حافظ الفلسطينيون على هويتهم وعلى تمسكهم بأرضهم وحقوقهم، وفي مقدمتها حقُّ العودة، وكانوا دوماً سبّاقين في تقديم التضحيات العظيمة من أجل الدفاع عن بلادهم ومقدساتهم وحريتهم.

على الطرف المقابل، وكما يقول أحد كبار المفكرين الفلسطينيين: (أفلت اليهود مِن “غيتو” ألمانيا والنازية جَسَديّا. لكنّهم الى الآن يعيشون في “غيتو” نفسي وعقلي يجعل الإسرائيليين اليوم وكأنهم مختبئون في غابة حتى تنتهي الحرب عليهم).

هذان الموقفان المتناقضان يتجليان دوماً عند كل حدث تشهده فلسطين، وعند كل مواجهة صغيرة أو كبيرة، وخاصة عندما يكون المسجد الأقصى وتكون القدس الشريف هي ساحة المواجهة.

لا… بل إن القدس في الحقيقة هي محور كل المواجهات، كانت ولم تزل؛ محور المواجهة الميدانية على الأرض، ومحور المشروع الاجتماعي والحضاري، ومحور الرؤية المستقبلية، ومحور الأبعاد والتجليات الثقافية والفكرية والدينية.

وبناء عليه لا مجال لحياة أي مشروع ينسخ القدس من طبيعتها، أو يعطيها أهلاً غير أهلها الحقيقيين؛ وقد صدق من قال: (بدون القدس تاريخنا مبتور… فلا معنى لفلسطين بدون القدس، ولا معنى للقدس بدون الأقصى والقيامة، ولا عِزّة ولا كرامة للعرب والمسلمين بدون القدس. وأمَّا “إسرائيل” فليست إلا عاصفةً ثَلْجيّة وقعت على بلادنا، إن واجهتْ شمسَ المقاومةِ ونيرانها ذابتْ).

القدس هي المحور

كل الأحداث تؤكد ذلك؛ وقد كانت (سيف القدس) إعلاناً عملياً لهذا البيان؛ كما كانت قبلها انتفاضة الأقصى 2000 وانتفاضة القدس 2015 وهبة البوابات 2017، وكما هي اليوم هبة المرابطين في المسجد الأقصى، الذين يحيطون المسجد بأجسادهم وأرواحهم، ليمنعوا عنه دنس المستوطنين، ويحرسوه من اعتداءات الصهاينة.

وعلى جميع أبناء هذه الأمة أن يكونوا طوقاً حامياً ودرعاً حصينة لهؤلاء المرابطين، وأن يحفظوا وصية رسولهم في القدس وأهلها؛ ومَن لا يتبع رسولَه إلى الأقصى، فلن يستحق شرف الانتساب إلى مجد هذا الرسول.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى