مقالات

لا عذر في ترك الجهاد، وتجاهل المقاومة

الأستاذ الدكتور الشيخ علاء الدين زعتري

شتان بين استمرار (المقاومة)، وغفوة (المنامة).

فمع مقاربة العدوان الأثيم من الاحتلال الغاشم شهره الثامن على أهلنا في غزة الصمود والإباء، ومع متابعتنا للمقاربات القرآنية؛ نجد كتاب الله يستثير حمية المؤمنين، لإنقاذ المستضعفين، المغلوب على أمرهم، والمعرَّضين لسائر صنوف الأذى من طرف المحتلين المعتدين الآثمين.

لقد جاء وصف كتاب الله لحالة الاستكبار، وضرورة نصرة المستضعفين بمنتهى الدقة، وبصيغة بالغة التأثير؛ أسلوب في الخطاب يُحرِّك المشاعر، ويستثير الوجدان، عبر بيان الحالة النفسية القلقة للمستضعفين والمعذبين من أَجْل حقهم المشروع في الاستقرار بأرضهم، والتمسك بشرعية وجودهم.

والآية تبدأ بالتعجيب، كما نقول في حياتنا العادية: وما لك لا تفعل كذا؟ كأننا نتساءل عن سبب التوقف عن فعل تدفع إليه المروءة، ويوحي به الطَبْعُ، ويقرُّه العقل، ويدعو له الدِّين؛ فإن لم يفعله (الإنسان) يصير عدمُ الفعل منه مستغرباً وعجيباً، بل ومستهجناً.

يقول الحق تبارك وتعالى: {‌وَمَا ‌لَكُمْ ‌لَا ‌تُقَاتِلُونَ ‌فِي ‌سَبِيلِ ‌الله} أي: لماذا لا تقفون بجانب المستضعف الذي يتم إيذاؤه، وتُصَبُّ عليه حمم التعذيب الممنهج، في إرهاب منظم، وعلى مرأى ومسمع، بل وبتأييد ممن يحمل شعارات باتت مزيفة (حقوق الإنسان، حقوق المرأة، حقوق الطفل).

وكأن (أهل غزة) من عالم آخر.

نعم؛ إنهم من عالم آخر، إنهم ملكوتيو المصير، وملائكيو السلوك، وإيمانيو الفطرة، فهم (مقاومون) في الهمة والعزيمة، (مجاهدون) في الحياة اليومية، لا يخافون المعتدين، ولا يخشون المستكبرين، أخذوا قرارهم، وعزموا على المضي قُدُماً؛ لكسر إرادة أعداءهم في الداخل والخارج.

أيُّ عذر ثبت للمُطَبِّعِين والساكتين عن الحق؛ أي عذر يمنعهم أن ينتصروا للمستضعفين، ليقيموا ميزان العدل في الأرض، ويُحِلُّوا (من الإحلال) الخير محل الشر، ويضعوا الرحمة موضع القسوة.

إن ‌‌في الآية استثارةً للهمم الإنسانية؛ من أجل العدل والسلام، وإيقاف الظلم والعدوان.

من أجل وقفة الأحرار في دينهم، والشرفاء في مبادئهم؛ لرفع العذاب عن المستضعفين.

دليل قوة الإيمان لديهم: أنهم صابرون رغم الجراحات عبر الشهور، وهذا يستدعي مزيداً من الاهتمام بقضيتهم العادلة، وأنهم أولى أن ندافع عنهم، ونخلصهم من العدوان والطغيان والاستكبار.

وهنا سؤال:

هل ما زال الخُلُق العربي (القديم)؛ من الشعور بالنخوة، والهبوب لنجدة المظلوم، والدفع عن الضعفاء؛ موجوداً وقائماً في نفوس أبناء الأمة؟!

أم إن الأخلاق العربية في انتكاسة بعد رسالة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم بإتمام تلك المكارم؛ فعفى الزمن على الناس فقست قلوبهم، وتبلدت مشاعرهم، وغفت النفوس في (المنامة)؛ بسبب البعد عن النهج القويم والصراط المستقيم.

وهل أمست صورة الشعب الفلسطيني المظلوم المضطهد المُخْرَج من أرضه، معكوسة بأنه هو الظالم الغاصب لحق المحتل؟

لماذا يسعى (المُطَبِّعُون) على تبغيض الفلسطينيين لسائر العرب والمسلمين، وإيجاد التناقض بينهم وبين إخوانهم.

وفي سياق معادلة الحق والباطل يبين كتابُ الله الفرقَ الجوهري بين جهاد المؤمنين وقتال الكافرين.

فالجهاد الذي فرضه الله ليس من أجل السيطرة والاستغلال، ولا من أجل الاستعباد والإذلال، وإنما هو من أجل نصرة المستضعفين، واستعادة الحقوق، وبسط العدل، ونشر السلام، وبث الخير والمعروف بين الناس.

وعلى العكس من ذلك: القتال الذي يقوم به المعتدون، ويمارسه المجرمون: فهو من أجل تدعيم الاحتلال، ومساندة الطغيان، واستعباد بني الإنسان.

إن المؤمن الصادق الإيمان لا يخشى الموت واقتحام المعارك؛ لأن أَجَلَ الإنسان لا يتقدم ساعة ولا يتأخر.

والمطلوب الإقدام مع أخذ الحيطة والحذر، وكمال التهيؤ والاستعداد.

فيا أبطال الصمود والمقاومة، ويا أبناء الحق والجهاد، ويا شعب غزة (أحفاد هاشم)، أبشروا بنصر قريب من لدن خير وليّ، وخير ناصر، فهو عزَّ وجلَّ يتولاكم أحسن التولي، وهو ناصركم أقوى انتصار.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى