أمة تعدادها بالمليار بعد ما يزيد عن السنة من معركة طوفان الأقصى
الأستاذ الدكتور الشيخ علاء الدين زعتري
الزمن مع السرور ينقضي بسرعة، بينما يتطاول مع الألم؛ وذلك بما يحمل معه من هموم كبيرة، وحروب مدمرة، وإبادات جماعية تتكرر على مرأى ومسمع من العالم أجمع، ولا يتحرك ساكن من حملة الشعارات (المزيفة)، بل تجد التصريحات داعمة لمزيد من القتل والتدمير، والتخريب والإبادة، والتجويع والتفقير.
ولنا مع السنة الماضية من عمر التاريخ؛ بما فيه من مصائب كبيرة، وآمال عريضة وقفات، أهمها: وقفة مع الأمة الإسلامية؟
أحداث (غزة ولبنان) كشفت أن الأمة التي تؤمن بالإله الواحد ليست أمة واحدة، ولم تستطع أن تكون صفاً واحداً، كما قال تعالى: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلَّذِينَ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِهِۦ صَفّا كَأَنَّهُم بُنيَٰن مَّرصُوص﴾ [الصف: 4].
وكشفت (غزة) و(لبنان) أننا لم نكن جسداً واحداً، كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى». [صحيح مسلم» (8/ 20 ط التركية)].
لقد وضعت (غزة) أمام العالم الإسلامي سؤال اختبار واحد:
هل يستطيع (2) مليار أن يحموا (2) مليون من إخوانهم، أو الوقوف معهم، أو التخفيف عنهم؟!!
للأسف: كان رسوب الأمة ـ حتى الآن ـ في الاختبار مدوياً؛ فهم لم ينجحوا حتى في إدخال الدواء اللازم أو الغذاء الكافي لهم.
(غزة) تُذبح، و(لبنان) يُدمَّر، والأمة لا حول لها ولا قوة؛ إلا إرادة التحرير والمقاومة المتصلة بالمولى تبارك وتعالى.
لقد انقسم المسلمون ـ غير أولي الجهاد والمقاومة ـ في هذه الحرب المدمرة إلى ثلاثة أقسام:
الخائن، والساكت، والمكتفي بأضعف الإيمان.
فأما الخائنون ـ وللأسف ـ فقد وقفوا مع العدو، وبرروا موقفه، وأيدوا تصرفه، ودعموه بالموقف والسلوك، وأمدوه باحتياجاته الاقتصادية، بل وفرح بعضهم بصنيعه؛ وكأن الذين يُقتلون ليسوا إخوانهم.
وأما الساكتون؛ فهم (المُعظَم عدداً) والمستضعفون حيلة.
وأما المكتفون بأضعف الإيمان؛ فهم مَن ينكرون بألسنتهم، ويجتهدون في إرسال المساعدات الإنسانية؛ فهؤلاء وإن كانوا يفعلون الخير؛ إلا إنهم مكتفون بالحد الأدنى حال وجوب الحد الأعلى.
ومن جهة أخرى:
كانت أزمة (غزة) وتداعياتها على الجوار والساحات الموحدة كاشفة عن عمق المسافة بين الشعوب المسلمة وحكوماتها؛ حيث انتظرت تلك الشعوب أن تفعل حكوماتها شيئاً؛ إلا إن ذلك الانتظار تحول مع الوقت اتكالاً.
وصارت الدول الصغيرة والضعيفة تنتظر الدول الكبيرة والقوية لتفعل شيئاً، ثم صار ذلك الانتظار أيضاً اتكالاً أكبر.
فها هي الشعوب تنتظر من الحكومات، والحكومات تُلهي الشعوب ـ بأزمات حياتية، أو ترفيهات ماجنة ـ أو تُسكتها.
والدول تنتظر غيرها، ومَن الذي سيبدأ؟ والجميع جالس ينظر إلى المذابح والتدميرات، والتهجير والإبادات.
وتبين أن هذا العجز المصطنع إنما كان بفعل (المستكبر) عبر عقود طويلة من فَرْض التبعية له.
وأمسى التلاوم، وإلقاء التهم، وتبادل الاتهامات بأسباب المجازر، وتحويل المسوؤليات من عاتق إلى عاتق، هو السائد في الحوارات الرسمية، وحتى على وسائل التواصل، وهو في واقع الحال لم ينفع أهلنا في (غزة) وفلسطين ولبنان وسائر محور المقاومة؛ بل ألحق بهم أشد الضرر.
والحق أننا ـ شعوباً وحكومات ـ ينبغي أن لا ننتظر من الآخرين أن يحلوا لنا مشكلاتنا، يجب ألا نلقي بمسؤولياتنا على المجتمع (الدولي) أو المؤسسات (الدولية).
والحقيقة أنه لا ينبغي على المسلم أن يكتفي بشتم الخونة، والدعاء عليهم؛ بل عليه أن يقوم بما يستطيعه، وما يقع على كاهله من المسؤولية، وتلك المسؤولية لا يعرفها إلا كل فرد بنفسه حسب موقعه، وعلى قدر طاقته.