مقالات

المسلمون بين انشغالهم بالعبادة حجًا وشلال دماء أهل غزة ثجًا

الأستاذ الدكتور الشيخ علاء الدين زعتري

لا أبالغ إن قلت، ويقول معي كثيرون بأن يوم عرفة هذا العام، كان مختلفاً لأول مرة، من لدن آدم عليه السلام، إلى يومنا في هذا الزمان:

وقف قرابة مليوني حاج على صعيد عرفات، وما زال مليوني فلسطيني يقفون على صعيد أرض غزة، وشتان بين الوقوفين.

نعم: يقف الحجاج بعد أن تجردوا (من كل شيء طواعية)، وما زال أهل غزة يقفون وقد فقدوا كل شيء قهراً (الغذاء والكساء والدواء والإيواء).

وقف الحجاج مفطرين؛ إذ لا صيام عليهم، وما زال أهل غزة صائمين؛ إذ لا طعام عندهم.

وقف الحجاج يطلبون الصفح والغفران، وما زال أهل غزة يشكون مرارة العزلة والخذلان.

لقد انتهى وقوف الحجاج بغروب شمس اليوم التاسع من ذي الحجة، ولا يدري أهل غزة متى ينتهي وقوفهم؛ فالإبادة الجماعية في غزة ما زالت مستمرة.

سبع وخمسون دولة إسلامية أرسلت وفودها الرسمية للحج إلى بيت الله الحرام، إلى جانب الوفود الشعبية من شتى بقاع العالم؛ في حين أن شعب غزة يحج إلى الله تعالى (يقصد) بطوافه في الشوارع والطرقات، والأزقة والحارات، والخنادق والأنفاق، وبين ركام البيوت لمقاومة العدو المحتل، عازماً النية أن يستقر به طوافه حول حوض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم يقف في صعيد الله بين يديه؛ ليشكو خذلان الأمة التي تركته وحيداً بين فكي سَبُعٍ ضار، ووحش كاسر، لا تردعه قوانين، ولا تحرك مشاعرَه عواطفُ الإنسانية.

وينتهي بالشعب الغزي الحال للمبيت في الفردوس الأعلى، ولسان حاله يقول:

يا عابدَ الحَرَمينِ لوْ أبصرْتَنا         لَعلمْتَ أنّك في العبادةِ تَلْعبُ

مَنْ كان يَخْضِبُ خدَّهُ بدموعِهِ       فَنُحُورُنا بِدِمَائِنا تَتَخَضَّبُ

أو كان يُتْعِبُ خيلَهُ في باطلٍ        فخيولُنا يومَ الصَّبِيْحَةِ تَتْعبُ

لقد نال أهل غزة درجة الشرف الأولى بالجامعة المحمدية الربانية في خير العمل الصالح خلال العشر من ذي الحجة حتى الفجر منها، حيث خرجوا بأنفسهم وأموالهم، ولم يرجعوا منهم بشيء.

نالوا هذا الشرف العظيم بشهادة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعظم أيام ذي الحجة عند الله تعالى بقوله: “مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ يَعْنِي أَيَّامَ الْعَشْرِ، قالوا يا رسول الله: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ”. [البخاري].

حصلوا على الخيرية في زمن تعطلت فيه فريضة الجهاد، واستهزئ بالمقاومة، وفي زمن تسارعت الحكومات إلى التوافقات التطبيعية مع أعداء الله، في زمن انشغلت الأمة بصراعات المصالح، وخضعت لقانون الطغاة والمستكبرين.

إلا ثلة من أهل الإيمان من داخل فلسطين، تؤازرها فئة مؤمنة، أيقنت أن سبيل الخير والفلاح، في مقارعة الصهاينة ومَن وراءها.

نعم، هناك في البقعة التي بارك الله فيها، وبارك حولها (فلسطين الإباء)، هناك صراع بين الحق والباطل، هناك جهاد حق في سبيل الله، هناك مقاومة أصيلة، هناك طائفة تحدث عنها سيد المجاهدين، وإمام المقاومين، ومقارع المتجبرين، رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

وإنها الطائفة المنصورة التي لا يضرها مَن خالفها، حيث نجدها تجاهد من أجل الدِّين والكرامة، والعِرْض والشهامة، والوطن والمقدس.

في غزة العزة حرب الإبادة الجماعية قائمة، كأنها الحالقة؛ حلقت كل شيء، البشر، والحجر، والشجر، قطعو عنهم كل مقومات الحياة، من غذاء، وماء، ودواء، وكهرباء.

الإبادة الجماعية في غزة بلغت ذروتها، والأمة الإسلامية والعربية، ترواح محلها في كيفية تقديم مساعدات لهذا الشعب الذي يعيش تحت النار، وبين أكوام الدمار.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى