مقالات

فلسطين: درع الأمة

بقلم الشيخ محمد الناوي

قال تعالى: ﴿إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس﴾ (آل عمران: 140).

من السنن الكونية الثابتة في هذه الحياة استمرارية الصراع بين قوى الحق والباطل، ومن السنن الكونية التي لن تتبدل أيضًا حتمية انتصار الحق على الباطل، وذلك من باب تحقق العدل الإلهي في الدنيا قبل الآخرة، ولكي يترسخ في ذهنية كل صاحب حق وحركة تحرير بأن سلطان الله المطلق على ملكه متحقق مهما بلغ طغيان الإنسان. وأيضًا فإن وعد الله الحق في تمكين عمارة الأرض في خواتيمها لعباده المؤمنين متحقق، وهذا ما يعطي للمقاومين للظلم نفسًا قويًا واستِماتة في مواجهة الشر مهما طال الصراع واشتدت الصعوبات وكبرت التضحيات.

وقضية فلسطين لها ميزات خاصة عند كل مسلم غيور، إذ إننا نلمح فيها من الخصوصيات ما يجعلها مختلفة عن أي قضية صراع أخرى، وقد انتبه إلى هذا الأمر علماؤنا قديمًا وحديثًا، فأنزلوها منزلة الرأس من جسد هذه الأمة، وجعلوها الدرع الذي يضمن للأمة سلامتها ووحدتها وعزتها إن هي عملت على صونها والحفاظ عليها.

إن فلسطين مثلت محور الصراع الكوني قديمًا وحديثًا، كونها مهد الديانات، وممر ومستقر معظم الرسل والأنبياء، ولخصوصية موقعها في الأمة الإسلامية، فهي التي تحتضن قبلتها الأولى ومسرى نبيها، وهي وقف للمسلمين كافة، وهي الأرض المباركة بنص القرآن، ومنطلق المحشر والمنشر بنصوص نبينا عليه الصلاة والسلام.

إن فلسطين كما هي محور الصراع الكوني برؤية صناع القرارات الدولية، فهي أيضًا محطة الصراع الأخيرة بين قوى الخير وقوى الشر برؤيتنا القرآنية. وهذا الصراع سيستند في مراحله الأولى إلى القوانين التي خلقها الله، والتي تحسم جولات الصراع التمهيدية استنادًا إلى الحسابات المادية، وتعطي نصرًا ظاهريًا للأعداء، كونهم يملكون من أدوات الدمار ومن انعدام الحس الإنساني والأخلاقي ما يجعلهم يتجاوزون كل حدود الإجرام إلى مراتب العلو والطغيان والتجبر في سفك الدماء وتدمير مقومات الحياة بشكل نهائي، كما حدث في غزة ولبنان خلال طوفان الأقصى. ولكن محطة الصراع الأخيرة، الممهدة للنصر الإلهي الموعود، ستكون خالصة للمؤمنين الثابتين على الحق، وعندها ستلتقي أسباب الأرض التي يصنعها الإنسان مع عطاءات مسبب الأسباب، لتحسم المعركة بتحقق وعد الآخرة وانتصار الحق واندحار الشر دون رجعة.

هذا النصر الظاهري للعدو لم يمكنه من كسر الإرادة لدى المقاومين الذين واجهوه بالعزيمة الصلبة وبالسلاح المتواضع، بل مهد لولادة جيل جديد من اليتامى والأرامل والثكالى، ممن عايشوا بصبر كبير العدوان الغاشم، وهو الجيل الذي سيثأر بعدل لينال كل حقوقه مهما طال الزمن. وهذه الجولة من الصراع رسخت من جديد حقيقة انتصار الإرادة على الطغيان، وأن النصر والتحرير لفلسطين بات أكثر واقعية وأقرب للتحقيق، وأن الشعوب بإرادتها هي من تصنع تاريخها ومستقبلها.

ليس هناك عامل موحد للأمة أكبر من الانتصار لفلسطين ومظلومية شعبها العزيز، فالأقصى قبلتها الأولى، وقرآننا وأحاديث نبينا عليه وعلى آله أفضل الصلاة والسلام وما فيهما من دلالات، تصب كلها في وجوب النصرة للقضية، ما يجعل حياة الأمة وعزتها مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بفلسطين، وفيها من الإشارات الخطيرة أنه إذا هانت علينا القدس، فقد تهون علينا مقدساتنا الأخرى، بل وتهون علينا كرامتنا وكل أوطاننا. ففلسطين، التي هي وصية قرآننا، تكون بذلك درعًا للأمة، وعلينا أن نحفظها لتحفظنا.

﴿ربنا أفرغ علينا صبرًا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين﴾ (البقرة: 250).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى