مقالات

إِذَا ‌نَصَحُواْ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ

الأستاذ الدكتور الشيخ علاء الدين زعتري

غزة اليوم تكشف حقائق الناس، فهم صنفان: مجاهدون ومناصرون من جهة، ومنافقون متخاذون من جهة أخرى.

وهذا الفرز نتيجة النظر إلى مفهوم كسائر المفاهيم؛ يُنْظَر إليها من عدة أوجه، بعضها أظهر من بعض، حيث إن كثيراً من ‌الناس يلمس المعنى الأكثر ظهوراً؛ بحكم الاستعمال، أو القرب.

وينطبق هذا على لفظ (الجهاد) في سبيل الله؛ فما إن يَطْرُق سمعَ الناس كلمة (جهاد) حتى يستدعي في أذهانهم وخيالهم، صورة نمطية ترسخت في الوجدان؛ حيث يَطِنُّ في الأذن: هدير المدافع، وأزيز الطائرات، وفرقعات القنابل؛ حيث تتطاير الرؤوس، وتتقطع الأعضاء، وتسيل الدماء، وتُدَكُّ الحصون، وتُخرَّب الدور العامرة، فيُقتَل الرجال، وتُرَمَّل النساء، ويُتيتم الأطفال، وتُفسَد الزروع والثمار.

إن المؤمنين الصادقين يعلمون أن (الجهاد في سبيل الله) فريضة دينية؛ لتكون كلمة الله هي العليا في واقع الحياة، ودنيا ‌الناس؛ عدلاً وإنصافاً؛ بأداء الحقوق.

إن الجهاد في سبيل الله فهو بمعناه الأعم الأشمل، هو: المبالغة في استفراغ ما في الوسع والطاقة؛ من قول أو فعل في سبيل الله.

فمن الجهاد: جهاد بالنفس، وجهاد بالمال، وجهاد باللسان.

الجهاد مطلوب على جميع مستوياته، ومطلوب من المكلفين جميعهم، لا يُعفى من ذلك أحد.

ومَن لم يقدر على نوع من الجهاد؛ فإنه يقدر على نوع آخر، ولا يُعْذر أحدٌ في ترك الجهاد بالكلية.

قال الله تعالى: ﴿لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [التوبة: 91].

فمن كان ضعيفاً أو مريضاً لا يقدر على الجهاد بنفسه، أو كان لا يجد نفقة يخرج بها للجهاد؛ فلا حرج عليه، ولكنَّ نفي الحرج مقيد بشرط النصح، والنصح: إخلاص العمل من الغش.

وتكون النصيحة بأمور، منها:

تعلُّق قلوب المؤمنين بالجهاد.

الدعاء للمجاهدين بالنصر والتأييد.

خلافة المجاهدين في أهليهم بخير.

حرمة تثبيط المقاومين عن جهادهم.

عدم الإرجاف بالناس، ونشر الذعر بينهم.

﴿إذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ﴾: عرفوا الحق وأحبوا أولياءه، وأبغضوا أعداءه.

﴿إذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ﴾: أرشدوا الخلق إلى الحق.

لقد شرط الله في انتفاء الحَرَج عن القاعدين: النصح لله ورسوله، وهو أن تكون نياتهم وأقوالهم سراً وجهراً خالصة لله، ساعية في إيصال الخير للمجاهدين المقاومين، داعية لهم بالنصر والتمكين.

ويدخل تحت النصح لله: محبة المجاهدين في سبيله، وبذل النصيحة لهم في أمر الجهاد، وترك المعاونة لأعدائهم بوجه من الوجوه.

﴿إذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ﴾، معناه أن القاعدين في البلد، ولم يجاهدوا بالنفس: وجب عليهم تجنب إلقاء الأراجيف، وإثارة الفتن القلاقل.

بل الواجب هو سعي أهل الإيمان في إيصال الخير إلى المجاهدين، وفي نقل الأخبار السارة لهم وعنهم، والحديث عن المبشرات، والابتعاد عن المنفرات، وتجنب مثبطات الهمم؛ فإن هذه الأمور وأمثالهم تصب في مجرى الإعانة على الجهاد.

فيا مَن لم يساهم بالجهاد بنفسه أو بماله، ومع قيام الأعذار المانعة من الجهاد القتالي في غزة، اعلم بأن الله لم يضع عنك الحَرَج إلا بقيد النصح لله ورسوله بحق المقاومين والمجاهدين.

فإذا لم نستطع إيقاف الموت عن طفل؛ فلا أقل من أن نكون مع الأطفال في نشر معاناتهم.

وإذا لم نستطع إيقاف إهانة كرامة أهل غزة؛ فلا أقل من أن ندافع عنهم بالكلمة الصادقة.

ما بال الآذان وكأن الوقر قد أصمها!!!

ما بال الأعين وكأن العمى قد وصل من عيون البصر إلى أفئدة البصيرة!!!

كونوا نَصَحَة في زمن الغش الذي ملأ الآفاق، وإلا نكون جميعاً شركاء في جريمة قتل أهل غزة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى