مقالات

الصمت المرعب.. لماذا؟

أسئلة كثيرة تمر في مُخيلة الكثير منا، ومن كثرتها وزحمتها وثقلها، تغادرنا مُخلّفةً وراءها حالة من فقدان التوازن تارة، والدخول في دوّامة من الفوضى الفكرية تارة أخرى، أو توصلنا إلى حالة من العجز والاستكانة في لحظة من الزمن الصعب.

لماذا بتنا في هذه الحالة المتردية، رغم امتلاكنا لتاريخ ورسالة تُحرِّم علينا قبول الذل والمهانة؟

لماذا هذه الحالة من تضارب المواقف حول قضية لا مجال ولا مسوّغ شرعي لتضارب الاجتهاد فيها؟

لماذا هذا العجز الذي نراه في الشخصية السياسية والثقافية، وحتى الدينية والنخبوية، في غالب هذه الشرائح من المجتمع؟

هل التاريخ الذي قرأناه، بكل ما فيه من عزة وكرامة ونصر وتمكين وتضحية ورجولة، هل هو حقيقة أم أساطير وأوهام صاغها الأوائل ليستروا بها ضعفهم وهوانهم وتخاذلهم؟

ربما غفلنا، بمجموعنا، عن حقيقة الجواب الذي لفت رسول الله صلى الله عليه وسلم نظرنا إليه، وبشكل واضح كوضوح الشمس في رابعة النهار. نعم، واضح، ولكننا لا نُريد رؤيته لأسباب يُخفيها كلٌّ منا ولا يُريد إظهارها!!

ومن قلة نحن يومئذ؟ “بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعنّ الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفنّ الله في قلوبكم الوهن”.

قال قائل: يا رسول الله، وما الوهن؟، قال: “حب الدنيا وكراهية الموت”.

الوهن… حب الدنيا وكراهية الموت، هنا تكمن القضية!

نعم، هنا تكمن كل الأجوبة التي تخطر في البال ونبوح بها، أو تلك التي تخطر ولا نجرؤ على البوح بها.

ما هو الدافع الذي يجعل السياسي جباناً تارة، وعميلًا تارة أخرى؟

إنه حب الدنيا، والسلامة، والمناصب، والامتيازات، والحياة الفارهة التي يُمارسها في حياته السياسية والدبلوماسية. هذه الأمور تدفعه لمزيد من التنازلات والتبريرات من أجل البقاء وعدم الخروج من اللعبة السياسية. ثم يتحدث عن الواقعية السياسية وتوازن القوى وعدم التهور والابتعاد عن المغامرة، و… و….

والأمر ذاته، وبصورة أخرى، مع الشخصية الدينية، التي تلوي أعناق النصوص الدينية رغم وضوحها، فيفتي للحاكم بما يريده، ولو كان بالأمس القريب يتحدث في مسجده ومنبره وكرسي جامعته بغير ذلك.

إنه الحفاظ على المكان والمكانة، والجراية المالية، ورضا الحاكم، لأن سخط الحاكم عليه أعظم -من منظور “حب الدنيا وكراهية الموت”- من سخط الله عليه. فالله غفور رحيم، أما الحاكم فلا غفور ولا رحيم!!

إنهم علماء البلاط والسلطان.

والكتّاب، والصحفيون، وكتّاب السيناريوهات، والممثلون، والمخرجون، وشركات الإنتاج، في معظمهم، لا يخرجون عن نفس المرض:

السلامة، والمكانة، والسفريات، وحضور مهرجانات السينما والمسرح، وجوائز “أفضل ممثل”، و”أفضل كاتب”، و”أفضل مخرج”؛ هي المحرك الأصلي لكل الحراك الذي يعيشونه: “حب الدنيا وكراهية الموت”.

لدينا القدرة أن نتحمل كل أنواع المهانة والذل، طالما أن بطوننا لا تعاني من الجوع، وطالما أننا سالمون من ألم حمل الحق.

نعيش تلك الحياة الكريهة، ولا نموت ميتة العزة والكرامة: “حب الدنيا وكراهية الموت”.

ندّعي أننا نعمل ونبذل الجهد ونريد تحقيق أماني الأمة والدفاع عنها، ولكننا لا نعدو أن نكون نلهث وراء الدنيا مثل السابقين، ولكن ضمن سيناريو آخر، ونلبس ثوب القداسة لنغطي عورتنا الأخلاقية وحبنا للدنيا: “حب الدنيا وكراهية الموت”.

إننا في زمن القصعة…

منسّق الملتقى العلمائي العالمي من أجل فلسطين

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى