مقالات

فلسطين والأمة

إن أي مُطالع وباحث في مفاهيم القرآن الكريم وأحاديث المصطفى عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم من مفهوم القبيلة والمنطقة والعرقية إلى مفهوم الأمة الواحدة، وكم هي الآيات والأحاديث التي ذهبت لتعزيز مفهوم الأمة من جهة، ومن أُخرى كم هي حجم الحروب التي شُنت على الفُرقة والفكر الجاهلي الذي يجعل معيار التفوق والقيادة هو العرق ولون البشرة ونوع القبيلة هو محدد موقع الإنسان في الحياة والمجتمع.

﴿إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾ سورة الأنبياء: 92

﴿ وَإِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ﴾ سورة المؤمنون:52

(لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى).

(…دعوها فإنها مُنتنة).

وآيات القرآن الكريم، وأحاديث الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم بهذا الصدد أكثر من أن تُحصى، ولا يتسع المقام لذكرها.

أدرك وتنبّه أعداء الأمة لهذا الأمر جيداً، وعلموا أنه لا يمكن تحقيق غاياتهم بهذه الأمة ما دامت هذه الثقافة موجودة بين أفرادها يتعاملون بها، ويُرسخونها في وعيهم الديني والمجتمعي والحياتي في كل معاملاتهم، فسعوا إلى تحطيم هذا السد المنيع، وبذلوا في سبيل ذلك كل شيء، بداية من إشعال نار الحروب التي كانت بينهم قبل الإسلام، وانتقالاً إلى إيجاد روابط جديدة لا تستند إلى الدين والعقيدة، ووصولاً إلى إيجاد خلافات حدودية مُتنازع عليها بين أغلب الأقطار العربية والإسلامية، رغم علم الجميع ويقينهم بأن من أوجد هذه الحدود هو العدو، ورُغم وعي الكل بأن المُستعمر هو صاحب تلك المقولة اللعينة ” فرّق تسُد”.

بات من بعد ذلك المشهد، أن من أشرف الأعمال التي تُرضي الخالق، وتُحافظ على المخلوق، وتُحصّن الأمة، هو السعي إلى لم شمل الأمة، وجمع كلمتها، وتسليط الضوء على تاريخها المشرق عنما كانت تعيش مفهوم الأمة التي تتعبد ربها بوحدتها، كما تعبده بشعائرها.

هذا ما استحضرته الحملة العالمية للعودة إلى فلسطين من خلال نشاطها في أرض العراق الرافدين، عراق الكوفة والبصرة وبغداد، عراق العلم والمعرفة والجهاد، عراق التربية الوجدانية والصفاء الروحي، كانت العراق هي منطقة التذكير بما كان بينها وبين فلسطين وحمل هم الأمة، وواجب النُصرة لهذا الشعب الفلسطيني في حربه لاستعادة أرضه، فكان ذلك العنوان الكبير “عراقيون وفلسطين” هذا العنوان للفيلم الوثائقي الذي سلّط الضوء على بسالة العراقي قائداً وجندياً ومتطوعاً، ذلك المجاهد الذي حطّم حدود الزمان والمكان، وسايكس بيكو، وتعامل بذلك العقل الجمعي العربي والإسلامي، الذي فرض عليه معادلة نُصرة أخيه مهما كانت الكلفة باهظة الثمن، لأن النتيجة هي أثمن بكثير، هي إحدى الحُسنيين، إما نصر عزيز وإما شهادة مُشرّفة، إنها معركة جنين التي سطرها العراقيون من خلال القائد “عمر علي” وكتيبته المتعددة في انتمائها المناطقي والمذهبي، ولكنه المؤمن بأن نصرة الأخ هي غاية عظيمة، وعبادة نوعية، ورسالة عالمية لكل من أراد استهداف هذه الأمة، بأننا لن نسكت على الذل والهوان، ولا على الاستعمار، ولا على استفراد المُحتل بأي جزء من هذه الأمة.

لعل هذه الصرخة التي قامت بها الحملة العالمية للعودة إلى فلسطين يكون لها أثر في يقظة البعض للقيام بواجب النُصرة للشعب الفلسطيني المظلوم.

منسّق الملتقى العلمائي العالمي من أجل فلسطين
الشيخ الدكتور عبد الله كتمتو

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى