عزلُ الكيان
عندما تكون الحرب بينك وبين عدو جبار ومتغطرس، وكذاب ومُزوّر، ومُتلاعب بالقوانين الدولية مفتوحة، فإن ذلك يعني أنك أمام معركة مفتوحة أيضًا، في الاقتصاد والتربية والاجتماع والتعليم والعسكر والأمن والمعلومات والعلاقات الدولية وغيرها من أنواع الأسلحة الغير تقليدية، ولا يحق لك في هذه الحالة الاكتفاء بالسلاح العسكري والأمني فقط.
وقد ننتصر في ساحةٍ ما، ويتأخر النصر في ساحة أُخرى، ولا يعني ذلك أبدًا أننا في حالة هزيمة مستمرة، حتى وإن كانت الصورة الظاهرة للنصر ليست واضحة المعالم للبعض، أو أن الأرض التي نملكها لاتزال في يد هذا العدو القابع عليها، لأن النصر لايعني دائمًا زوال الاحتلال بالكامل حاليًا، بل هناك نصر نوعي وهو إفشال استراتيجية العدو وتراجع مشروعه في المنطقة.
سقوط أسطورة الجيش الذي لا يُقهر نصر، وسقوط أسطورة الدبابة الصهيونية “المركافا” نصر، وانتصار غزّة والانتفاضة الفلسطينية نصر نوعي بالمعنى الاستراتيجي، وانتصار تموز في الجنوب اللبناني نصرٌ غيّر معادلات في المنطقة، وإرغام العدو الصهيوني على تفكيك البوابات الإلكترونية في القدس نصر له أثره الكبير في حركة الصراع في القدس، وأخيرًا وليس آخرًا انتصار “معركة سيف القدس” نصرٌ وضع قواعد جديدة في حركة المقاومة، وفرض معادلة توازن الرعب، وأفقد العدو الصهيوني زمام التحكم في زمن بدأ المعركة أو إنهاء هذه المعركة، أو مجريات هذه المعركة.
وهناك معركةٌ أُخرى تدور بحكمة وحنكة بآن واحد، وهي معركة عزل الكيان وإدانته دوليًا، على المستوى الشعبي من جهة، وعلى مستوى المنظمات الدولية والإنسانية من جهة أُخرى. ولا تقل عنها أبدًا معركة المقاطعة للكيان في عدة مجالات، منها الاقتصادي والتعليم الأكاديمي، وصولًا إلى المقاطعة الرياضية، والتي أظهر الكيان مدى انزعاجه منها، ومدى تأثيرها على النفسية الداخلية لأفراد مستوطنيه، وهذا ما دعاه إلى مخاطبة الكثير من الأندية الأوربية ومطالبتها بالتراجع عن سياساتها الأخيرة التي وصفها الكيان بأنها مُعادية للسامية، ومخالفة للروح الرياضية بزعمه.
لم يكن لاعبا الجودو الجزائري “فتحي نورين” والسوداني “محمد عبد الرسول” هما أول الاعبين العرب الذين يرفضون الخضوع لقانون القرعة الأولمبي، ولم يكونا أول من يرفض منازلة الإسرائليين، وإن كانا هما الأحدث تاريخيًا، ففي ماليزيا رفض وزير الرياضة الماليزي استقبال الرياضيين الإسرائليين، لأن الكيان الذي ينتمون إليه، كيان ظالم ويُقرّ قتل الأبرياء وتهجيرهم.
والقائمة تطول لو أردنا السرد، ولكننا اليوم مطلوب منا رصد آثار هذه المقاطعة، ليمكننا أن نجعل منها سلاحًا استراتيجيًا فتاكًا، يفكك عُرى هذا الكيان، ويفضحه عالميًا وإنسانيًا، بل حتى داخل مستوطنيه ليتحولوا إلى ورقة ضغط على سياسيهم من ناحية، ويبحثوا عن مكان آخر آمن يعيشون فيع بعيدين عن رفض المحيط لهم.
يشعر الإسرائيلي اليوم بعمقِ المأساة، ووحشية حكومته التي أوصلتهم بسياساتها إلى هذا الخزي، وأشعرتهم بالحرج لدى الدول المُنظمة للألعاب الرياضية، وأشعرتهم أيضًا بحجم الكرامة والحرية التي يمتلكها الآخر الذي يُفضل الانسحاب من اللعبة مهما كانت النتيجة، على أن يضع يده بيد الرياضي الصهيوني، إنه خزي كبير.
من هنا ننطلق لنقول.. هل يمكننا إبداع أسلحة كثيرة يمكننا استخدامها في معاركنا مع هذا الكيان المُخادع ؟ ولها من الأثر البالغ في نفوس وعقول وأفكار هذا الكيان ؟ ننتظر الإجابة العملية.
السلام على المُبدعينَ الأحرارْ
الشيخ الدكتور عبد الله كتمتو
منسّق الملتقى العلمائي العالمي من أجل فلسطين