لماذا حي الشيخ جراح ؟
بالرغم من كل عمليات التطبيع العربية والإسلامية، وبالرغم من كل معاهدات السلام مع دول ذات تأثيرٍ سياسي وديني، وبالرغم من تورطِ طرفٍ فلسطيني بمعاهدةٍ مع الكيان الصهيوني، والذي ضمنت حكومة الكيان من خلاله تسوية سياسية للقضية الفلسطينية، واعترافًا بوجود الكيان، وتنسيقًا أمنيًا لم تكن تحلُم به، حيث جعلت من هذا التنسيق أداةً لحمايتها من جهة، وسوطًا أمنيًا يُلاحق المقاومة ويُجرّمها ويمنع حركتها، بل ويسلم أفرادها إلى الكيان الصهيوني من جهة أُخرى، بالرغم من كل ذلك نجد أن الكيان يسعى بحراكه المسعور إلى الإسراع بتهويد كل شيء من حوله، تهويد التاريخ والثقافة والجغرافيا، حتى الديمغرافيا، ليضمن من خلال ذلك مايظن أنه سبب بقاءه ووجوده الأبدي.
لماذا هذا الحراك ؟ لأن ثقافة الاستيطان لايمكنها أن تكتمل إلا بالقدس وتهويدها، هذا ما قالته الحركة الصهيونية في أدبياتها السياسية منها والتوراتية “استيطان القدس من أهم ركائز العودة الصهيونية التي ظلّت تُردد أحد المزاعم اليهودية التوراتية وهي تقول: “أقدامنا كانت تقف عند أبوابك ياقدس، ياقدس التي بقيت موحدة”.
كتب روجيه غارودي في كتابه “الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية” أن الكيان الصهيوني استخدم مصطلح “سُلطة الأسطورة” ليؤسس من خلالها قاعدة تجلب كل يهود العالم إلى فلسطين، ويعني هذا المصطلح تأثير الأسطورة والتوراة في جماهير يهود العالم، وهو ماتم توظيفه لخدمة الحركة الصهيونية، ودولة الكيان عمومًا.
وهذا ما دفع الكيان على التركيز على القدس وإثارة المشاعر الدينية اليهودية، من أجل الحصول على دعم يهود العالم، وتحالف الكيان مع الدول الاستعمارية لاغتصاب القدس وقبر الإرادة العربية والإسلامية بالقوة العسكرية.
عمدت الحركة الصهيونية لتحقيق هدف تهويد القدس إلى تجميع كل المؤسسات اليهودية في مدينة القدس، فأقامت فيها مقرّ اللجنة التنفيذية للمنظمة الصهيونية العالمية، ومقرّ الوكالة اليهودية والصندوق القومي اليهودي، ومركز اللجنة القومية اليهودية، ومقرّ الجامعة العبرية، ومشفى هداسا، وغيرها من المؤسسات الهامة للكيان، لتُشكل هذه المؤسسات الدافع الأهم للمشروع الصهيوني في فلسطين، وأصّلتْ لتثبيت قواعد الاستيطان في فلسطين عمومًا، والقدس خصوصًا.
من هنا ومن هذا المنطلق يمكننا فهم مجريات الأحداث الجارية ـــ وليست الأخيرة ــ في حي الشخ جراح في القدس، فمكانة هذا الحي ورمزيته لاتخقى على الكيان، والتوازن الديمغرافي لايخفى كذلك، ومايشكله هذا التوازن من تهديد على الكيان أيضًا لايخفى، وما يوجد فيه من مقار ذات أبعاد دينية ووطنية تجعل منه تهديدًا يوميًا لمشاريع التهويد والاستيطان أمرًا تدركه الحركة الصيونية بدقة، وتسعى لإنهاءه بكل ما لديها من كذب ودهاء وقوة، وغطاء من مؤسسات أستعمارية لها غايات خاصة بها.
في الختام.. هل ستنتصر “سلطة الأسطورة” والوهم على الرواية الحقيقية ؟ وهل سوف نُعيد للقدس قُدسيتها المسرُوقة ؟ وهل سوف نُدرك دورنا الفكري والحضاري والإنساني في هذا الوجود ؟
الشيخ الدكتور عبد الله كتمتو
منسّق الملتقى العلمائي العالمي من أجل فلسطين