لماذا هذا الخوف ؟
على الرغم من بُعد المسافة بين الكيان الصهيوني وأفغانستان، وعدم وضوح واستقرار الوضع الداخلي الأفغاني، والوقت الكبير الذي تحتاجه القيادة الأفغانية لترتيب بيتها الداخلي المُعقد، وبيتها الخارجي الأكثر تعقيدًا، وكذلك ومن جهة أُخرى كم يحتاج هذا السياسي الجديد من الوقت والجُرأة على تغيير الصورة النمطية التي رُسمت في العقل الغربي والعربي بل وحتى الداخلي الأفغاني، بالرغم من كل هذه التحديات، نجد أنّ القادة الصهاينة الأمنيين والعسكريين وحتى المُحللين السياسيين يتعاملون مع الحدث الأفغاني وكأنه حدثٌ قد وقع في بلدٍ مجاورٍ لهم ويخافون من تأثيراته عليهم، والتي يمكنها أن تكون تحديًا إضافيًا للتحديات التي تواجههم في المنطقة خصوصًا، وفي العالم عمومًا.
هذا ما يمكننا أن نفهمه من الكثير من تصريحات القادة الصهاينة وبشتى اختصاصاتهم، ومرجعياتهم الحزبية، وأكبر مثال على هذه التصريحات التي تُظهر حجم تلك الهواجس والمخاوف الصهيونية من انتصار الأفغان على الأميركان، ماجاء على لسان وزير الحرب السابق للكيان الصهيوني “موشيه يعالون” حيث قال وبصراحة ووضوح “إن سيطرة طالبان على أفغانستان سيؤثر على أمن وسلامة بلادنا”، مضيفًا “رُغم أن أفغانستان تقع بعيدة عنا، إلا أن لسيطرة طالبان عليها تداعيات خطيرة علينا”.
من هنا يمكننا توجيه عدة أسئلة و نقول لماذا هذا الخوف كله ؟ ولماذا هذه الهواجس ؟ ونسأل مالذي قرأه الصهيوني في هذا الانتصار فدعاه إلى هذا الخوف ؟ ومما يخشى هذا الكيان حتى أرسل كل هذا الحجم من الرسائل إلى العالم عموماً، وإلى السيد الأميركي خصوصًا، يُعلن ويظهر قلقه ؟
لن نجد جوابًا كافيًا وشافيًا أكبر من خوف الكيان على مشروعه القائم على الاستكبار والظلم وتفتيت العالم، والذي بات مُهددًا في ظل المعادلات الجديدة التي فرضتها الحركات المقاومة، والدول الداعمة لهذه الحركات، والتي من شأنها مواجهة مشاريع الاستكبار والهيمنة واستعمار الشعوب وسرقة مواردها، وقبل كل ذلك سرقة كرامتها وحريتها.
أقلق الكيان الصهيوني الخبيث انفتاح الأفغان على الحركة الفلسطينية المقاومة، وما حصل من تبادل للأفكار والتجارب والخبرات في إدارة الصراع، وزادهم قلقًا التقارب من الجمهورية الإسلامية في إيران، وإمكانيّة فتح صفحة جديدة ذات دلالات مختلفة عما كان بالأمس، وإمكانية أن يكون للجمهورية الإسلامية يدًا قوية تساعد الأفغان في شتى المجالات، لتصبح أرض الأفغان ذات سيادة حُرة وغير تابعة للمشروع الأميركي بكل تجلياته.
وأكثر الهواجس والمخاوف تمثل في أن يُصبح هناك تحالفًا عالميًا إسلاميًا ومتنوعًا في الأعراق والإثنيات والمذاهب، ويحمل وجهة واحدة هي الحرب على الاستكبار والاستعمار، يسعى لتحرير الشعوب، ويُعيد للبشرية إنسانيتها وكرامتها وثرواتها، تحكم ذاتها بذاتها، وتفرض الرؤية التي تناسب ثقافتها ورؤيتها للكون والإنسان والحياة، وتكون النموذج الإنساني الأمثل في وسط عالم بات الإنسان فيه السلعة التي يتبارى الظلمة في التجارة به في سوق نخاسة جديد، وباسم برّاق وجذّاب.
الشيخ الدكتور عبد الله كتمتو
منسّق الملتقى العلمائي العالمي من أجل فلسطين