نخبٌ سياسيةٌ تتناهش
سأنطلق اليوم في تحليلي للداخل السياسي والحزبي الصهيوني من الكتاب المعصوم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، لأن صاحب هذا الكتاب هو خالقُ كل البشر، والعالم والخبير بكل عباده، وبما تنطوي عليه نفوسهم.
مما أخبرنا الله تعالى به عن بني صهيون، أنه ألقى بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة، جزاء بما قدمت أيديهم، وكذلك لفت نظرنا إلى مسألة أُخرى لا تقل أهمية عن سابقتها، ألا وهي أننا نحسبهم من خلال رصدنا الظاهري والسطحي لهم، أنهم مجتمعٌ متماسك، ويحملون هموم بعضهم بعضًا، وأنهم أصحاب بوصلةٍ واحدة، وهم في الواقع على غير ذلك، فهم أصحاب قلوبٍ شتى وأهواءٍ شتى، ولكنهم يتقنون فنّ التظاهر بعكسِ ما هم عليه، كونه يحميهم من الآخر.
ليس في هذا التوصيف تجنٍ، وليس في هذا الإخبار الرباني عدم واقعية، أو عدم علمية ومصداقية كما يحلو للبعض أن يصف البيان الإلهي بأنه كلام غيبي لا يرتبط بالأحداث أبدًا.
إنّ المتابع لعملية الانتخابات الرابعة للكيان الصهيوني، والمتنافسة على كرسي رئاسة الوزرارء، يمكنه وبوضوح أن يُدرك حجم العداوة لبعضهم البعض، وحجم الفُرقة بينهم، ففي اليوم الذي أُغلقت فيه صناديق الاقتراع، وأنهى كل مُرشح مشروعه المدجج بالوعود والتعهدات، كانت المفاجئة بأنه لم يتغير أي شيء، فالخاسر رجع مُنكسرا، والفائز رجع يحمل خيبة لا تقل عن الهزيمة، لأنه لن يستطيع أن يُشكّل حكومته وحده وبشكل مستقل، الكل بحاجة للآخر رغم ما يكنه صدر كل واحد منهم للآخر من العداوة والبغضاء، واتهامهم لبعضهم بالفساد والتكبر والخداع والمكر، لكي يحصل كل منهم على ما يُريد.
فنتنياهو بات يترقب وهو الخبيث الماكر كما يصفه خصومه، يبحث عن شريكٍ يقوي موقفه، بغض النظر عن قوة هذا الحليف أو الشريك، المهم أن يكون رافعة له ليستطيع تشكيل حكومته، وهذا ما دفعه نحو “نفتالي بينت” ليعرض عليه تحالفه، ويعده بالوعود الكاذبة كما عهده الجميع، واستحضر نفتالي وعد نتنياهو مع “بيني غانتس” وكيف غدر به وتخلى عنه بعد أن حصل على ما يُريد، وفرّ من كل ما كان يخاف منه.
وهذا ما فعله نتنياهو مع كل الأحزاب وبأساليب متنوعة ليحصل على بُغيته التي تُعطيه القوة من جهة، وتُبعد عنه المُلاحقة القانونية التي قد تودي به إلى السجن من جهةٍ أُخرى.
كل المراقبين يتحاورون ويتجادلون حول: هل يمكن لنتنياهو أن ينجح في شق الصفوف وتمزيق الأحزاب والتلاعب على الجميع وخداعهم للوصول إلى تشكيل حكومته كما يشاء ؟
أم سيتمكن خصومه من إسقاطه ليلقى مصيره الذي ينتظره الجميع بفارغ الصبر ؟ ليشفي كل منهم صدره من هذا المتغطرس المتكبر الغدّار الكاذب، الذي لايرى إلا نفسه.
هكذا وصف أصحاب الأحزاب بعضهم بعضًا، وهذا هو رأيهم ببعضهم بعضًا، وهذه هي طبيعة العلاقة التي تربطهم ببعضهم البعض، ولعل الوصف الإلهي لهم سوف يتجلى أكثر في قادمات الأيام، وسيخربون بيوتهم بأيديهم.
الشيخ الدكتور عبد الله كتمتو
منسّق الملتقى العلمائي العالمي من أجل فلسطين