غزة… وبشائر حي الزيتون

بقلم الشيخ محمد الناوي
﴿ومن يتوكل على الله فهو حسبه، إن الله بالغ أمره، قد جعل الله لكل شيء قدرًا﴾ [الطلاق: 3]
قبل أيام قليلة، صرّح المجرم (سموتريتش) بوجوب إفناء أهل غزة، بقطع الماء والكهرباء، بعد حصار التجويع والدمار الشامل، وذلك في كلمات كانت بمثابة دقّ المسمار الأخير في نعش عدو تقيأه العالم أجمع، وبات عبئًا كبيرًا، وشكّل إحراجًا لداعميه في المحافل الدولية، ومنبوذًا عند شعوب المعمورة بسبب جرائمه البشعة في عدوانه القذر على غزة.
وقبل أيام من إبحار أسطول الحرية لكسر الحصار عن غزة، سبقت أمواجه تلك البشارات من أرض الرباط، عن عملية نوعية نفذها رجال الله، هشّمت غطرسة العدو، وأكدت أن المقاومة حاضرة بقوة، بعزم رجالها ومدد ربها، وأن وعده الحق متحقق بقدرته المطلقة، ولو اجتمعت كل الدنيا.
ما يجري على أرض غزة، وتحديدًا ما جرى البارحة في حي الزيتون، يكذّب كل الحسابات المادية في الصراع بين القويّ الظالم والضعيف المظلوم، ويبيّن أن الإرادة والعزيمة والتوكل الصادق هو مفتاح كل الفتوحات. وقد أثبت “طوفان الأقصى” حقيقة مفادها: “ما دمت تقاوم فأنت منتصر في النهاية”، مصداقًا لقول الحق عز وجل: ﴿ومن يتوكل على الله فهو حسبه، إن الله بالغ أمره، قد جعل الله لكل شيء قدرًا﴾. إنه أوسع وأطول عدوان يقوم به الكيان المحتل منذ نشأته، يستخدم فيه كل قوته، وقوة داعميه الغربيين، ويستعين بالمطبعين لتصله الإمدادات. وقد أثبتت هذه المرحلة من الصراع أنه فعلًا أوهن من بيت العنكبوت؛ إذ إن قوته ليست ذاتية، بل مستمدة من الخارج، وأن سقوطه قد يحدث في أي لحظة إذا فقد أحد أعمدة الدعم. كما أن تعنّت قيادته المتطرفة في سفك الدماء وإحداث الدمار لا يمكن أن يوصله إلى نصر، في ظل معنويات منهارة لجيشه، وحراك شعبي داخلي ودولي مناهض لسياساته، ومع وجود مقاومة صلبة أحدثت البارحة أكبر اختراق عبر أسر جنوده من قلب المعركة.
لقد بعث المقاومون الشرفاء، بالأمس، رسالة قوية لكل من راهن على محو غزة ومقاومتها: أنهم حاضرون بكل عنفوانهم، كما في أول يوم من “الطوفان”. فالمعركة قاسية، وأثمانها باهظة، والخذلان غير مسبوق، نعم، ولكنها في جوهرها معركة إرادة. والمنتصر فيها هم أصحاب الأرض والعزم والصدق… وهذه الصفات لا يمتلك منها العدو شيئًا؛ كل ما لديه هو الرصاص والقتل والحلم التوراتي المزيف. ومن المستحيل أن يصمد كيان بُني على الظلم والباطل. والرسالة الأهم التي يبعثها المقاومون، هي لكل متخاذل يراهن على هزيمة غزة: عملية حي الزيتون، البارحة، بيّنت أن رهانهم خاطئ، وأن عليهم أن يصححوا خياراتهم، ويقفوا الموقف المشرّف لشعوبهم ولدينهم ولأمتهم، قبل فوات الأوان. لأن هزيمة العدو ستكون بداية انهيار عروشهم، كما أن انتصار العدو – لا قدّر الله – سيكون بداية لتوسعه، وإدخال المنطقة في مرحلة خطيرة من الفوضى. إن وقوف الأنظمة إلى جانب غزة في هذه اللحظة سيعزز قوة الأمة، ويمنح أهلها جرعة أمل ليصمدوا أكثر، ويواصلوا حلمهم بتحرير بلدهم من النهر إلى البحر، وطيّ صفحة المجازر والتنكيل.
اليقين بالله هو أصدق اليقين، والرهان على غيره تعالى، كرهان العطشان على سراب: ﴿حتى إذا جاءه لم يجده شيئًا ووجد الله عنده فوفّاه حسابه والله سريع الحساب﴾. [النور: 39]