مقالات

الانتفاضة مستمرة

مرت في الأيام الماضية الذكرى الثامنة والثلاثون لانتفاضة الحجارة، وهي الانتفاضة الفلسطينية التي تدعى الانتفاضة الأولى، باعتبار أنها الثورة الأولى التي اقترنت وتميزت باسم الانتفاضة، حتى إنها استطاعت إدخال كلمة Intifada إلى أهم مراجع ومعاجم اللغة الإنكليزية فضلاً عن غيرها من لغات العالم.

وإذا اعتبرنا أن مقوّمات فعل الانتفاضة تتضمن الفعل المقاوم المستند أساساً إلى الإرادة الجماهيرية، وإن تطور أحياناً إلى عمل مجموعات منظمة، فإنَّه يصح لنا أن نقول: إنَّ تاريخ انتفاضة وثورة الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال، في القرن العشرين، تعود إلى بدايات التماسّ مع المستعمر الغربي، منذ انتفاضة موسم النبيّ موسى 1920، وانتفاضة يافا 1921، وثورة البراق 1929، وثورة القسّام 1935، والثورة الفلسطينيّة الكبرى (1936-1939).

وبعد انتفاضة الحجارة شهدنا انتفاضات متعددة، نؤمن أنَّ آخرها كانت حركة طوفان الأقصى، وما رافقها من صمود وثبات شعبي فلسطيني استطاع حتى اليوم إفشال مخططات التهجير، رغم الضربات القاسية التي تعرضت لها فصائل المقاومة وارتقاء قادتها شهداء.

وهذا يؤكد أنّ الفعل الشعبي الفلسطيني هو الأساس الذي تُبنى عليه حركة التحرير الفلسطيني، وهو العامل الأكبر الذي يشغل بال الاحتلال، ويسعى بمختلف السُبل لوأد هذا الفعل، وقتل إرادة الحرية في الأنفس والقلوب، وهو ما لن ينجح فيه بإذن الله.

إنّ إنكار أنظمة العالم على الشعب الفلسطيني سعيَه للتحرر والتخلّص من الكيان غير المشروع الذي صنعته أوربا في بلادنا، إنكارٌ لا يستند إلى منطق ولا قانون ولا حقّ، وإنما هو نتيجة موقف يقوم على مصالح لا أخلاقية، وسياسات بعيدة عن احترام حقوق الإنسان ومبادئ العدالة التي يتشدق هذا العالم بها، وهو برئ من تطبيقها تماماً.

ومهما حاولت الدول الكبرى إمداد الكيان الغاصب بالقوة المادية والعسكرية والتكنولوجية، ومهما حاصرت الرأي العالمي الذي يؤيد حقوق الشعب الفلسطيني، فلن تنطفئ جذوة الانتفاضة الفلسطينية المقاومة، ولن ينطفئ الفعل السلمي المقاوم، الذي يقوم به أحرار العالم من خلال الفعاليات التي يتمّ تنظيمها كل يوم، بدون استثناء، وفي مختلف أرجاء العالم، تأييداً للحقّ الفلسطيني، وترتفع وتيرة هذه الفعاليات المدنية في كل مناسبة، كما رأينا خلال الأسبوعين الماضيين بمناسبة اليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني.

ونذكّر هنا بأن الحملات الصليبية الاستعمارية قد استمرت قريباً من مئتي عام، وأنها استطاعت السيطرة على القدس لأكثر من قرن، وعلى فترتين امتدت الأولى منهما 88 عاماً؛ لكن القدس وفلسطين لفظت هؤلاء الأغراب، وعاد معظمهم إلى أوربا خاسئين، بينما اختارت مجموعات منهم البقاء في بلادنا، وتحول أكثرها إلى الإسلام وتعرّب جميعها عبر الزمان.

لقد قال الرسول الأكرم صلى الله عليه وعلى آله وصحبه عن مدينته المحبوبة: (إنَّما المَدِينَةُ كَالكِيرِ، تَنْفِي خَبَثَهَا، ويَنْصَعُ طِيبُهَا)، والقدس الشريف وهذه الأرض طيبة كطيب المدينة الأمّ مدينة ، وهي تنفي كلّ خَبث ينزل بها، ولو بعد حين، حينما يقوم أهل الحق بالإقدام ودفع الباطل وإخراجه، فإذا انتفض هؤلاء زهَق الباطل وانكفأ، وأشرق على الأرض نور الحق والعدل.

إنّ الانتفاضة الفلسطينية فعلٌ عقلاني يستند إلى مبادئ الحق والعدل، كما يعتمد على السُنن التي أقام الله سبحانه الاجتماع البشري عليها، ومنها سنة التدبير والمبادرة والتنظيم والمثابرة حتى الظفر.

وهذه الانتفاضة التي كانت في الماضي والحاضر سوف تستمر حتى تحرير الأرض بإذن الله: ﴿لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (*) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾.

أمين سر الملتقى العلمائي العالمي من أجل فلسطين

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى