الأستاذ الدكتور الشيخ علاء الدين زعتري
أعمال المقاومة مستمرة؛ بجهادها على تنوعه (فكراً، وثقافةً، وإعلاماً، ومالاً، وقتالاً في البر على السطح ومن داخل الأنفاق، وفي الجو بمختلف صنوف الأسلحة؛ يُذيقون العدو ألوان البأساء).
أعمال المقاومة مستمرة في وحدة ساحاتها (في الداخل؛ غزة، والضفة الغربية، والقدس الشريف)، وفي الخارج في بر الشام (جنوب لبنان، وسورية)، وفي الإقليم (يَمَنُ الحكمة، وعِراقُ علي، وإيران الإسلام).
أعمال المقاومة مستمرة في حركاتها السياسية (حماس، والجهاد الإسلامي، وحزب الله، وأنصار الله، والحشد الشعبي).
أعمال المقاومة مستمرة في اجتماع فصائلها (كتائب عز الدين القسام، وسرايا القدس، ومن يدعم مسيرتهم المظفرة) داخل فلسطين وخارجها بدون حدود جغرافية ولا تقسيمات سياسية.
أعمال المقاومة مستمرة؛ وصيحات المثبطين للهمم تملأ وسائل (التقاطع) الاجتماعي في عمل الطابور الخامس؛ لمزيد من الفُرقة بين أبناء الأمة الواحدة.
أعمال المقاومة مستمرة؛ وأكثر المتابعين باتوا محللين عسكريين يفهمون في القدرات العسكرية أكثر من فهمهم لطريقة عيشهم المنكدة.
أعمال المقاومة مستمرة؛ وسخريات المنافقين حاضرة.
أعمال المقاومة مستمرة؛ وأصوات المرجفين مستعرة.
عندما كنا صغارًا علَّمونا قول المتنبي:
لا يَسْلَمُ الشَّرَفُ الرَّفِيعُ مِنَ الأَذَى * حَتَّى يُرَاقَ عَلَى جَوَانِبِهِ الدَّمُ
وكنا نسأل: ما علاقة الشرف الرفيع بالدم؟
حتى جاءت مقاومة غزة، ورأينا بأم أعيننا شهداء غزة تُراق منهم الدماءُ؛ زكيةً طاهرة في سبيل نيل حريتهم، وفتح معابرهم، واسترداد أدنى حقوقهم الإنسانية.
لقد قرأنا قول ربنا سبحانه: ﴿كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ [البقرة: 249]؛ فكنا نظن ذلك ضربًا من التاريخ، لا يصح إلا مع الأنبياء وحواريِّهم عليهم السلام، والصحابة وتابعيهم عليهم الرضوان؛ حتى إذا رأينا بأمِّ أعيننا اندحارَ أعظم آلة حربية مدمرة في العالم، تمدُّها من ورائها أكبرُ قوة عظمى في عالمنا، وتراجعَها وانسحابَها أمام فئة من المجاهدين لا يملكون من السلاح إلا أهونَه، ولا من العتاد إلا أقلَّه، أدركنا مصداق قوله تعالى.
وعندما كنا صغارًا قرأنا في سيرة نبينا المصطفى صلى الله عليه وسلم أن الأحزاب عندما أحدقوا بالمدينة من كل جانب، وبلغت قلوبُ الذين آمنوا الحناجرَ؛ خوفًا وفَرَقًا وجزعًا، وزاد الطينَ بِلَّةً غدرُ اليهود، ونقضهم ميثاقهم، فأصبح النبي والذين معه بين عدوَّين متربصين مِن أمامهم ومِن خلفهم، (كمثل حال غزة اليوم).
ولكن ذلك كله لم ينل من ثبات رسولنا صلى الله عليه وآله وسلم شيئًا؛ بل زاده قوة، ومضاءً، ورباطةَ جأشٍ، وجعل يبشِّر أصحابه بفتح الشام وبلاد فارس واليمن، في حادثة شهيرة سطرتها صفحاتُ السيرة العطرة بأحرف من نور.
وذلك عندما ضرب صخرة فانقدح منها شرر، فقال: “الله أكبر، أُعطيت مفاتيح الشام”،
ثم ضربها أخرى فانقدح الشرر، فقال: “الله أكبر، أعطيت مفاتيح فارس”،
ثم ضربها ثالثة فانقدح الشرر، فقال: “الله أكبر، أعطيت مفاتيح اليمن”.
عند ذلك أرجف المرجفون في المدينة من المنافقين وأضرابهم، أن الرسول يبشر بهذه الفتوح، وإن أحدنا لا يأمن أن يقضي حاجته؛ من شدة الخوف والهلع، والبلاء المُحْدِق من كل جانب!
وكان أنِ انجاب (انكشف) البلاء، وكُشف الكرب، وانتصر المسلمون، وعوقب يهود (ناقضو العهود).
وها هو ذا التاريخ يعيد نفسه، فنرى المرجفين يطعنون، والطاعنين يُرجفون، والظانِّين يكذبون: أن المقاومة ستمحى، وأن الجهاد سيزول، وأن الأمر لن يكلف إسرائيل أكثر من أيام معدودات، فماذا كان؟
لقد كذب ظنهم، وخاب فَأْلهم، وانتصرت غزة برغم كل ما أصابها من دمار وخراب، وما قدمت من ضحايا وشهداء، وبقيت المقاومة تهدد أمن اليهود، وتَقُضُّ مضجعهم.
لقد آن أن نعرف أن عدوَّنا شرس ماكر، لا تجدي معه إلا لغةُ المقاومة والقتال، وأن ما أُخذ بالقوة لا يستعاد إلا بالقوة.
لقد آن أن نؤمن بأن الجهاد هو السبيل الوحيد لاسترداد حقِّنا، وردِّ عدونا، ونيل عزتنا وكرامتنا.
