هل تصوم الأمة عن الخضوع؟

في شهر رمضان المبارك تصوم الأمة عن الطعام والشراب من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، متحريّةً رؤية الهلال بكل السبل، من أجهزة الرصد الحديثة إلى الشهادات التقليدية، مستنفرةً كل طاقاتها لضبط مواقيت الفجر والإمساك، متوحدةً في صيامها رغم اختلاف المذاهب والرؤى الفقهية. لكنها، ويا للأسف، تَغفل عن رؤية ما هو أحقّ بالنظر والتحري، تَغفل عن رؤية الدماء المسفوكة في فلسطين، وعن رؤية قبلة المسلمين الأولى وهي تُدنَّس، وعن رؤية أبناء الأمَّة وهم يُبادون تحت سمع العالم وبصره.
أَيَصُومُ المسلمُ عن الطعام، ويغفل عن واجب الصيام عن الخضوع والاستسلام؟ أَيَصُومُ المسلمُ التزاماً لأمر الله، وينسى أن هناك من إخوانه في الله من يصوم قسرًا عن أدنى مقومات الحياة في غزة، حيث يُحاصر شعب بأكمله بالموت، والجوع، والدمار؟
لقد آنَ للأمة أن تدرك أن الصيام الحقيقي لا يكتمل إلا بالقيام بواجبها تجاه قضاياها الكبرى، وعلى رأسها قضية فلسطين. كما آنَ للصادقين أن يقفوا صفًا واحدًا، بمختلف مذاهبهم وتوجهاتهم، بعد أن امتزجت دماء الشهداء على طريق القدس، فمازت الخبيث من الطيب، وكشفت من هم منَّا ومن هم مِن عدونا، مصداقًا لقوله تعالى: ﴿وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ﴾ المائدة: 51.
لقد آن الأوان أن يدرك المسلمون الصائمون أن مسؤوليتهم ليست مجرد مشاعر حزن أو غضب، بل موقفٌ وعملٌ وتضحيةٌ على كل صعيد. فالصيام في الإسلام ليس طقسًا شكليًا، بل هو مدرسة لإعداد النفوس على الصبر والجهاد، والانتصار على الشهوات تمهيدًا لمواجهة الطغيان والاستكبار. فكما يُدرّب الصيام المسلم على ضبط النفس، يُعدّه أيضًا للثبات في وجه الباطل، فلا قيمة للصيام إن لم ينعكس على الموقف والسلوك.
وفي مقدمة الصفوف، يقف العلماء والدعاة والمفكرون، للقيام بدورهم في جهاد الكلمة والموقف والتبيين، فبيان الحق وتوجيه الأمة واجبٌ لا يقل عن الجهاد بالسلاح، بل هو ركنٌ أساسٌ في معركة الوعي والتحرير. فيجب أن تصدح منابرهم بالحق، وتفضح أقلامهم الظلم، وتبقى مواقفهم ثابتة على طريق الجهاد والمقاومة. فلا عذر لصامت، ولا مبرر لمتهاون.
إنه جهادٌ مؤيدٌ بنصر الله: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ العنكبوت: 69.
المنسّق العام للحملة العالمية للعودة إلى فلسطين
الشيخ يوسف عباس