كي لا ننسى..
كي لا ننسى وتضيع بوصلة تفكيرنا، كي لا ننسى ونفقد هويتنا، كي لا ننسى ولا ندري من هم إخوتنا، كي لا ننسى ولا نعرف أين نوجه أسلحتنا، يجب أن نقرأ تاريخنا وتراثنا وعقائدنا وجغرافية بلادنا بعمق.
مفتاح الإجابة يكمن عندما نتقن فنّ طرح الأسئلة بموضوعية وفهم لكتاب ربنا عزّ وجلّ، والذي يسردُ علينا قصص القرآن عموماً، وقصة بني إسرائيل خصوصاً، لماذا تمّ ذكر اسم سيدنا موسى عليه السلام أكثر من أي نبي؟ ولماذا كان بنو إسرائيل أكثر الناس حظّاً بإرسال الأنبياء؟ ولماذا سلّط الله الضوء على تفاصيل حياتهم، وبأدق التفاصيل التي قد تبدو للوهلة الأولى وكأنها لا تعنينا؟ ولكن الجواب النابع من التفقه والفكر والموضوعية سيكون الجواب المفتاحي.
وصف الله بني صهيون بأنّهم قتلة ومكذبين ومعاندين ومجادلين وغير ذلك، فقال: ﴿ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَىٰ أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ﴾ البقرة: 87، وقال: ﴿ فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً ۖ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ ۙ وَنَسُوا حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ ۚ ﴾ المائدة: 13.
هذا الوصف هو ما يمكن أن يضيء لنا الذاكرة والفكر والمعرفة بهؤلاء القوم أنهم قتلة للأنبياء وأصحاب الدعوات الحقة، وقتلة لكل تاريخ نظيف وطاهر، وفوق ذلك فهم المكذبين لكلّ حقيقة والمزورين لها، وصارفين للبشرية عن الخير حيثما وجد، وهم خونة الأنبياء والرسل.
يكفي أن تطلع على عدد الأنبياء الذين قتلوهم، وكيف قتلوهم، لتدرك آلية القتل التي يمارسونها اليوم على البشرية عموماً، وعلى أهل فلسطين خصوصاً.
لقد قتلوا سيدنا زكريا وابنه يحيى عليهما السلام ، قتلوا زكريا بنشره إلى نصفين، وقطعوا رأس يحيى، وحاولوا قتل السيد المسيح عليه السلام، وحاولوا قتل نبيّنا وسيّدنا محمد صلّى الله عليه وآله وسلم.
وكلّ طريقة كانت أبشع من أختها، والحالة التي يمارسونها اليوم بأهل فلسطين، والإنسانية عموماً، لا تقلّ ظلماً وخشونةً وترويعاً عن سابقاتها من أساليب القتل.
هدم للمقدسات، وقتل للنساء والأطفال والشيوخ والشباب دون أي شفقة، ومنع الدواء عن المرضى والمعتقلين حتى يصلوا إلى الهلاك، هو طور من أطوار القتل الذي هو سجيّة مستحكمة فيهم.
أما التزوير والتدنيس فقد بلغ أوجه في هذه الأيام، وما شاهدناه مؤخراً من تدنيس للمسجد الأقصى المبارك على يد قادة الاحتلال المتطرفين والمهوسين بسيرة أجدادهم، فهذا على سبيل المثال “إتمار بن غفير” يمارس اليوم تدنيس المسجد الأقصى ليتحدّى مشاعر كلّ المسلمين في العالم، وهو يَعِد العالم الإسلامي كلّه بتكثيف عمليات التدنيس والإستفزاز، وكذلك يتوعّد بتقسيم الأقصى زمانيّاً ومكانيّاً، إنها هويتهم التي لن يتراجعوا عنها أبداً.
هؤلاء بني صهيون بصورتهم الجديدة، وممارساتهم النكرة والمرذولة.
فأين نحن عباد الله؟ وخير أمّة؟ وناصري الدين والحقّ؟
فلسطين هي القبلة الأولى ومسرى رسولنا الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، فهل سنتركها بلا مدافع؟
وأسلحتنا هل ستبقى في أغمادها يأكلها الصدأ، أم ستخرج لترسمَ عنوان كرامة وحرية؟
وأصدقاءنا وإخوتنا هل سيعرفوا عدوّهم وبوصلة إخوانهم أم سيضلّوا الطريق؟
من يفهم لا ينسى… وسيتذكّر ثمّ يصوّب البوصلة.
اللهمّ فاشهد.. والسلام عليكم.
الشيخ الدكتور عبدالله كتمتّو
المنسق العام للملتقى العلمائي العالمي من أجل فلسطين