2022 عام استثنائي !
ها هو عام 2022 قد غادَرنا ليصبح تاريخاً نُشير إليه بالفعل الماضي؛ ونتحدث عمّا جرى فيه بخبَر كان، رغم أنّ الآثار التي تخلّفها الأحداث لا يمكن أن تبهت أو أن تمحى، بل كثيراً ما ازدادت جروح الروح عمقاً بمرور التاريخ.
وإذا كان من مهمات فعل التأريخ أن يحفظ الوثائق والروايات التي تنقل صورة الأيام إلى الأجيال القادمة؛ فإنّ الإنسان قد يتساءل عن حجم هذه المستندات التي تلزمنا لنقل ذاكرة الأيام الفلسطينية خلال عام واحد فقط؛ كعام 2022، بما فيه من حكايات تتغلغل في ثنايا كل بيت من بيوت فلسطين، وداخل روح الملايين من الأطفال والأمهات والآباء !
كان 2022 عاماً مليئاً بالأحداث، ولاشكّ في أنَّ كل كلام – مهما كان وافياً – لا يمكن أن يعبّر عن الواقع، ولا أن يرسم صورة كاملة عن أبسط تفاصيل الحياة، خاصة ونحن نتكلم عمّا جرى في فلسطين خلال أيام وساعات هذا العام.
وهنا يمكننا أن نقارن حقاً، ما بين كتب التاريخ التي اختصرت مسيرة الإنسانية خلال قرون طويلة في صفحات معدودة، وبين الأخبار المنقولة في الإعلام العالمي عن فلسطين، التي تختصر الواقع إلى حدّ المسخ والتشويه وقلب الحقائق.
فكيف كان هذا العام بالنسبة إلى فلسطين ؟
وهل كان عاماً استثنائياً حقّاً كما قيل أكثر من مرة عند تقييم أحداث فلسطين لهذه السنة ؟
لو قلنا عنه كذلك، نظراً لما شهده هذا العام من أحداث عالمية ومحلية تتعلق بفلسطين، لكان منطقياً أن نسمّيه عاماً استثنائياً، خاصةً وقد شهدنا فيه مزيداً من التغلغل الصهيوني في أجساد أنظمة التطبيع، وتهاوياً من هؤلاء إلى مستويات لم يبلغها أحدٌ قبلهم في تعاملهم مع الكيان الغاصب في كل المجالات.
ولئن نظرنا إلى ما سجّلته صفحات هذا العام من جرائم “استثنائية” ارتكبها الكيان الغاصب بحقّ الشعب الفلسطيني؛ في مقابل التجاهل العالمي المطلق لهذا الإجرام الصهيوني؛ إذن لجاز لنا أن نصفه حقاً بأنّه عام استثنائي !
ولكن؛ ألا يحقّ لأي فلسطيني أن يقول لنا عندها: بناءًا على ما تقولون فإنّ فلسطين لم تشهد عاماً غير استثنائي منذ أن وطئت جيوش الحلفاء أرض فلسطين قبل ما يقرب من مئة عام وحتى الآن ! فأين هي القاعدة وأين هو الاستثناء ؟
ربما تقولون عن 2022 إنّه كان استثنائياً لأنّه فاق سلَفه 2021 في ما ذكرتم من حجم الإجرام الصهيوني، وفي مستوى الإنكار العالمي لحقوق الشعب الفلسطيني.
ولكن إذا كان هذا الأمر هو المقياس؛ إذن فلنستعد لعام جديد 2023 يكون استثنائياً أيضاً بالنسبة لما سبقه، وعندها لن نقول: “على العالم السَّلام”، لأنّه لا سلام ما دام الكيان الغاصب قائماً وهو يتغوَّل ويفحُش ويَفحُش في إجرامه يوماً بعد يوم !
فهل كُتب علينا أن نودع عاماً استثنائياً لنستقبل عاماً جديداً أكثر منه في صفة “الاستثناء”، والفرق الحاصل بينهما مدفوع من دماء الشعب الفلسطيني ومن عذابات أبنائه ومن ملايين السنين المهدورة من أعمار شبابه في السجون الصهيونية !
هل أصبحت القاعدة أن نُقتل وأصبح الأمن والسلام لنا هو الاستثناء، بل النادر والداخل في حكم المستحيل ؟
أسئلة محقة يطرحها الواقع قبل الألسنة، وتفرض على العقلاء أن يبحثوا عن جواب لها، وتُوجب على أحرار العالم أن يعملوا معاً من أجل توسيع دائرة العمل من أجل فلسطين، وبذل الجهد أكثر فأكثر لمواجهة إجرام استثنائي يمثله الكيان الغاصب، ومواكبة صمود وكفاح استثنائي أيضاً ويمثله الشعب الفلسطيني العظيم.
الشيخ محمد أديب ياسرجي
أمين سر الملتقى العلمائي العالمي من أجل فلسطين