مقالات

وتبقَى غزة وأهلها

يعلم الصهاينة الذي هلّلوا لخطة تفريغ غزة من أهلها أنّ دعوة الرئيس الأمريكي سوف تذهب أدراج الرياح، كما لا نستبعد أن يعلم ترامب نفسُه ذلك؛ ومع ذلك يصرّون على طرح هذه الخطط.

يفعل الصهيوني وسيّده الأمريكي ذلك لعدة أسباب، منها:

1- الظهور بصورة المنتصر الذي يستطيع أن يفرض الوقائع كما يريد، رغم أنَّ المنطق البسيط يكذّب أحلامهم الشيطانية، فكيف يمكن إخراج أهل غزة بأطروحات إعلامية، بينما لم تستطع حملة الإبادة على مدى 15 شهراً أن تخرجهم، وكان ذلك أحد أهداف العدوان الأساسية ؟!

2- إشغال الإعلام والرأي العامّ بالقضايا التي يختارونها، على حساب القضايا الأساسية المفروضة على الساحة، مثل قضية الدمار الشامل الذي تعرّضت له غزة، والذي تتكشف الآن تفاصيله للناس.

3- الحصول على مكاسب معينة من حلفائهم الخاضعين لهم أصلاً، فيرفعون عقيرتهم بالإهانة لحلفائهم العرب، مطالبين إياهم بتأييد المشروع الساقط حكماً، تحت طائلة الحرمان من المساعدات وغيرها من التهديدات.

ولكن هيهات هيهات لما تقولون، فالشعب الفلسطيني وأحرار الأمة والعالم واثقون بأنَّ غزة باقية، وأنّ أهلها لن يرحلوا منها، إلا ليعودوا إلى قراهم المحتلة بعد تحريرها.

وهذه الثقة تنبع من عدة معطيات، منها ما هو واقعي تاريخي، ومنها ما هو واقعي إيمانيّ، فكلها معطيات واقعية صادقة بإذن الله:

أمّا المعطيات الواقعية التاريخية، فمنها أن مشاريع تفريغ قطاع غزة قديمة منذ دنّس الاحتلال هذه الأرض بأقدامه، وقد حاول تهجير أهلها عام 1970 وكانوا يبلغون حوالي 300 ألف يومها، فأصبحوا اليوم أكثر من مليوني إنسان.

وقد اشتهرت عن المجرم رابين أمنيتُه أن يستيقظ يوماً فيرى غزة وقد ابتلعها البحر، فها هي غزة بعد سنوات تعرض جنود العدو أسرى أذلاء على شاطئ ذلك البحر نفسه، الذي يعرف أهله ويميّزهم جيداً عن المعتدين والأغراب.

وأمّا عن المعطيات الإيمانية الواقعية، فإنَّ لنا البشرى من كتاب الله تعالى وكلام رسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم.

أمّا القرآن الكريم فيقول لنا: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ. إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ، وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ﴾.

وإنَّ أهل غزة بحَول الله وقوته هم أشدّ الناس صبراً وأكثرهم تمسّكاً بحقهم ومقاومتهم، ولولا ذلك ما فرضوا شروطهم على أشد المجرمين استكباراً، ولولا ثباتهم ما استطاعوا أن يحرروا آلاف الأسرى الأبطال من براثن الاحتلال.

وأمّا سيدنا المصطفى صلى الله عليه وسلم فقد وعدنا وبشّرنا عن ربه سبحانه وتعالى أنَّ هذه الأمة محفوظة من أن يستطيع عدو خارجي استئصالها، ويبقى عليها أن تعمل على حفظ جبهتها الداخلية مصونةً متماسكة.

جاء في الحديث الصحيح، أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: (سألتُ ربّي لأمتي ثلاثًا؛ فأعطاني اثنتين ومنعني واحدةً. سألته أن لا يهلكَ أمتي بسَنَةٍ عامّةٍ فأعطانيها. وسألتُه أن لا يسلطَ عليهم عدوًا من غيرِهم فيجتاحَهم فأعطانيها. وسألته ألا يجعلَ بأسَهم بينهم فمنَعَنِيها).

قال العلماء في شرح الحديث: أعطاه اللهُ سبحانه المسألةَ الأولى والثانية تفضلاً وتكرماً منه جلَّ وعلا، وإن كانت الأمة قاصرة عن استحقاق ذلك؛ وأمَّا الثالثة فلم يعطها للأمة تفضّلاً، ولكنه تركها لهم حتى يعملوا من أجلها، فإن سعَوا بصدق واجتهاد لكيلا يكون بأسهم بينهم فإنَّ الله سبحانه وتعالى سوف يتكرم عليهم بإنجاح مسعاهم.

وشاهدُنا في الحديث قول الرسول الأكرم: (وسألتُه أن لا يسلطَ عليهم عدوًا من غيرِهم فيجتاحَهم فأعطانيها)، فما ينطبق على الأمّة ككل، ينطبق على الجزء الكبير منها الذي يعادل أمّة، وهم أهل غزة في أيامنا هذه، وكيف لا يعادل أهل غزة أمة كاملة، وفي قلوب كل أحرار العالم والمؤمنين حصة خالصة لغزة وأهلها، وإنَّهم لمنصورون بإذن الله.

أمانة سر الملتقى العلمائي العالمي من أجل فلسطين

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى