منتصرون رغم الألم
كم حدثنا الله تعالى عن بني اليهود، عن حبهم للحياة، عن كُرههم للحق وأهله، عن قتلهم أصحاب القيم والرسالات، عن تفرقهم الغير مُعلن، عن جبنهم وضعفهم الداخلي، وعن حالة الذل والمهانة المُلازمة لهم طيلة الحياة، والتي لا تغادرهم إلا بحبل من الله، وحبل من الناس.
وكم سيطرت على عقول وأفكار الكثير من النُخب والشعوب العربية والإسلامية فكرة أن هذا الكيان لا يهزم ولا ينكسر، وأن قوته تفوق كل قوة العرب والمسلمين مجتمعين، وما على العرب والمسلمين سوى اختيار طريق السلام والتهدئة مع هذا الكيان الصهيوني اليهودي التلمودي، ليعيش الجميع بأمن وهناء، ويلتفت كل بلد إلى التنمية الداخلية ورفع مستوى المعيشة والحياة الاقتصادية. وكأن الاستعمار والذل والانكسار قدرٌ لا محيص عنه، وعلى الجميع أن يتسول الأمن والاستقرار من هذا الكيان وأعوانه ومُشغّليه، مهما كان الثمن.
نعم أُريد لنا أن نعيش هذه النظرية والرؤية، لتصبح هي المُسيطرة على طريقة تفكيرنا ورسم مستقبلنا، وتربية أجيالنا، وهي المُحددة لكل الحراك المجتمعي وبكل تجلياته. وعلينا أن ننسى كل ما حدثنا الله تعالى، وكل ما وعدنا به، وكل النظام الذي رسمه لنا الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام لتحقيق العزة والكرامة والحرية، نعم أُريد لنا كل ذلك وغيره أيضاً لكيلا تقوم لهذه الأمة قيامة جديدة تُغيّر وجه التاريخ مرة أُخرى، كما حدث عند انتصار رسالة السماء الأخيرة على يد تلك النخبة التي رُبيت على يدي سيد الخلق محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.
ولكن إرادة الله أرادت أمراً آخراً، أرادت عودة الخيار الرباني على أيدي مجاهدين ربانيين، فهموا خطاب ربهم وإرادة ربهم، وراجعوا تربية نبيهم للرعيل الأول، فأعادوا النموذج من جديد، وحطموا كل نظريات الضعف والخنوع، وبددوا كل الأوهام التي رسمها العدو من جهة، والضعفاء والعملاء من جهة أُخرى، ورسموا خط الرسلات السماوية مرة أُخرى في الواقع الجديد.
يمكننا اليوم أن نقول ومن دون شك، إن ما بعد 7 تشرين لن يكون كما كان قبله، تحطمت كل نظريات التفوق، العسكري والنفسي والتقني والأمني، وسقطت معها قوة الرصد التي طالما تفاخر بها العدو، وضعُف أمامها الصديق. سقط الرهان على كل معاهدات السلام والتطبيع وما يحمله من أوهام التنمية والاستقرار. وانتصر فكر الجهاد والمقاومة على الرُغم من ألم المشهد، مشهد قتل الأطفال والنساء وهدم البيوت، واستعمال سياسة الأرض المحروقة ضد كل الطفولة، ليدلل على نهجه وفكره وسلوكه الحقيقي، الذي حاول دائماً أن يُخفيه بكذبه وخداعه. لقد رسم المجاهدون مشهداً آخر طالما تاقت له قلوب الأحرار، وآمال من يُريدون أن تعيش الإنسانية بأمان وكرامة.
التحدي اليوم، هل سيتلقف الكل، نعم الكل العربي، والكل الإسلامي، والكل الإنساني هذه الفرصة الهامة في الزمان والمكان، ليرسموا خطاً إنسانياً جديداً؟
وهل سيعلم العدو أنه لا يمكن أن يبقى على هذه الأرض وهو ينعُم بالأمان؟
وهل سيعلم كل مستوطن أن عودته إلى بلده الأصلي هو الخيار الأفضل اليوم؟
وهل سنعلم نحن أن طريق المقاومة هو الأقصر والأقل تكلفة لتحقيق كل الآمال؟
والسلام لفلسطين وعلى فلسطين
منسّق الملتقى العلمائي العالمي من أجل فلسطين
الشيخ الدكتور عبد الله كتمتو