رمضان… شهر فلسطين
تهديدات متصاعدة وخطيرة تتعرّض لها مدينة القدس، خصوصاً مع ما يخطط له المستوطنون من هجمات على المسجد الأقصى في شهر رمضان، مستفيدين من الدعم الأمني غير المحدود، ومن العمليات الجديدة التي أعلنت السلطات الصهيونية عنها أخيراً تحت اسم “كاسر الأمواج”.
وحيث أنّه من المؤكد أن حكومة العدو هي الداعم الأكبر لكل الاعتداءات على الحرم القدسي عموماً، ضمن مخططها الشامل لتهويد المدينة المقدسة، التي أصبحت مدينةً أخرى غير التي كانت، وغير التي يعتقد العالم الحالم أنها يمكن أن تكون مدينةً للجميع.
وحيث إنّ الجميع في العالم – إلا قليلاً من الأحرار – لا يأبهون لما يجري من عدوان وإرهاب وقتل وتهجير بحقّ الفلسطينيين، بينما يتسابقون للإدانة والشجب والتعاطف في غيرها من الحالات التي توافق أهواءهم.
بناء عليه فلا يمكن أن يدّعي أيُّ إنسان أنّ مستقبل القدس يمكن أن يسير في اتجاهٍ آخر غير اتجاه التهويد الكامل؛ إلا في حالة واحدة، ليست هي حالة الشرعية الدولية، ولا اتفاقات التطبيع الذليلة… إن كان لها أي تأثير أصلاً؛ ولكنها الحالة التي يصنعها أهل القدس وفلسطين، وقراراهم الحاسم المدعوم بأقوى صمود وأعظم التضحيات بأن يظلوا متمسكين بمدينتهم ووطنهم كاملاً، وأن يرفضوا التخلي عن حقوقهم فيه، مهما بدا للعين أن المشهد مختلف، أو أن قوة الاحتلال هي التي تفرض الواقع الذي تريد.
أمّا عن تمادي العدو في الاعتماد على العنف لردع الفلسطينيين، وتوسيعه لدائرة العقوبات التي تطال الفدائيين المدافعين عن حقوق شعبهم، لتطال أقرباءهم بعد أن وصلت إلى هدم بيوتهم وتشريد أهليهم، وأخيراً المطالبة باعتقال أم الشهيد التي تفتخر بما صنعه ابنها، باعتبار أنها تشجع بذلك على الإرهاب !
أمّا عن هذا التمادي فمما لا شكَّ فيه أنّه لن يؤدي إلا إلى من مزيد من هذه العمليات الفدائية، وأنَّه سوف يدفع الشباب الفلسطيني أكثر فأكثر نحو تصعيد المواجهة، وربما تكون هذه الكلمة نصيحة للعدو نفسه، ألا يتوقع من وراء العنف سلاماً، ولا من وراء الإرهاب الذي يمارسه استقراراً، ولا نتيجة أخرى غير المزيد والمزيد من الإقدام والشجاعة الفلسطينية، حتى تحرير الأرض واستعادة الحقوق.
وعندما يصل العدو إلى قرار بفتح المجال للمستوطنين بتصعيد هجوماتهم واعتداءاتهم على المسجد الأقصى وفي شهر رمضان خصوصاً، فإنّه بذلك يقوم بتلاعب خطير، في الظرف الأكثر قابلية لإحداث انفجار لا يمكن لأحد السيطرة عليه.
إنَّ المساس بالأقصى في شهر رمضان هو تلاعب بظرف المكان الأقدس في ظرف الزمان الأقدس؛ فهل يتوقع العدو من الفلسطينيين سكوتاً أو انكفاءً ؟!
غبيٌّ من ينصح القيادة الصهيونية بذلك، لأنها عملية انتحار موصوفة !
لقد ارتبطت فلسطين ورمضان معاً خلال العديد من المحطات التاريخية الماضية الهامة، التي لا تزال تُلهم معظم الفلسطينيين، ومن ورائهم شعوبٌ طويلة في أماكن عريضة.
كما يرتبط اسم المسجد الأقصى والقدس بمواقف وأحداثٍ تشكل جزءاً من الرؤية المستقبلية التي تحملها أمّة كبيرة من الناس عن حركة التاريخ المستقبلي، وعن مآلات الصراع بين الخير والشرّ في العالم، وبالتالي لا يمكن لأحد أن يزعم احتمالية تخلّي الأجيال القادمة – من الفلسطينيين ومن معظم أبناء هذه الأمة – عن فلسطين، حتى لو تخيّلنا جدلاً أن الأجيال الحاضرة يمكن أن تتخلّى.
بناء عليه تشكّل فلسطين جزءاً من هوية هذه الشعوب التي تؤمن بها، كما يشكّل شهر رمضان جزءاً من هذه الهوية، ولا يقتصر على كونه شهراً للصيام والعبادة، مع أهمية هذا الجانب أيضاً.
وكلمة الهوية مشتقة كما نعلم من سؤال: من هو ؟
فإذا سألت من هو الفلسطيني، ومن هو المسلم، ومن هو المسيحي العربي والفلسطيني؛ فإن الجواب الذي يقدمه هؤلاء هو هوية كل واحد منهم؛ ومما لاشك فيه أنّ رمضان وفلسطين والأقصى والقيامة والخليل وبيت لحم هي جزء أساسي من هوية هؤلاء جميعاً دون تفريق.
بقلم محمد أديب ياسرجي
أمين سر الملتقى العلمائي العالمي من أجل فلسطين