غزة.. بين مطرقة العدو وسندان الخذلان / تساؤلات
بقلم الشيخ محمد الناوي
﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾(آل عمران 173).
في ظلّ التحولات المتسارعة والخطيرة في المنطقة، غاب الضامنون لـ”اتفاق السلام”، فعربد العدو ووضع الاتفاق تحت جزمته العسكرية، وباتت غزة فريسة سهلة يُنكَّل بشعبها المكلوم، ويعمل على إعدام ما تبقى من مقومات الحياة؛ لدفعه نحو الهجرة عن أرضه.
كيف يمكن تفسير هذه البرودة الشعبية والرسمية في عالمنا العربي والإسلامي؟
وكيف يمكن فهم صمت المجتمع الدولي بمؤسساته العتيدة ومسمياته البراقة؛ من مجلس أمن وحقوق إنسان ومحكمة جنائية دولية؟ هل ما جرى ويجري لعقود على فلسطين أمر خارج عن اهتماماتها؟ أم أن الرهان على تلك المؤسسات بات مضيعة للوقت؟
كيف تمّ ارتهان القرارات الدولية وترذيلها من قِبل قوى الاستكبار؟ وكيف عجزت المؤسسات الحقوقية الدولية عن تنفيذ قراراتها وأحكامها؟
وكيف بات إقرار السلام وإعلان الحرب في العالم من صلاحيات قوى الهيمنة، فيما حُيّدت المؤسسات الأممية عن دورها في حفظ السلام وترسيخ العدالة، وحماية العالم من الصدامات الناتجة عن الجشع الرأسمالي؟
كيف اختلّت المفاهيم؛ إذ كيف يُهان ويحاصر ويُجَوّع الشرفاء والمجاهدون، بينما يُمتدح العملاء وتُفتح أمامهم أبواب الدنيا في عالمنا العربي والإسلامي؟
وكيف تحوّل بيع الأوطان تحت مسمى “التطبيع” إلى أمرٍ مستساغ، ووجهة نظر تُطرح على الملأ، في الوقت الذي خَرست فيه حواضرنا ونخبنا، ولم تجرؤ على الفتوى بالجهاد نصرةً للقبلة الأولى وللمظلومين في فلسطين؟
كيف نعجز – ونحن أمة المليار ونصف – عن تمرير رغيفٍ واحد إلى إخوة لنا جوعى يُنكَّل بهم على مرأى العالم؟ والأعجب كيف تسير القوافل من بلاد المسلمين لإمداد العدو بكل ما يحتاجه من غذاء ونفط في الوقت نفسه؟
كيف تسهر شعوب “أمة التوحيد” على المباريات الرياضية بكل طمأنينة غير آبهة بقتل أهلنا في غزة، فيما تملأ شعوب الغرب المسيحي، وآسيا البوذية، الشوارع تنديداً بالعدوان ومناصرة لغزة؟
كيف صدحت منابرنا لسنوات بدعوات الفتن والاقتتال الداخلي وخراب الأوطان، وفتحت حدودٌ باسم “الجهاد”، بينما أُغلقت كل الحدود وصمتت كل الأبواق لحظة انقضاض العدو اللدود على غزة تدميرًا وتنكيلًا؟
كيف ضاعت مفاهيم التوكل والعزة والقوة لدى المسلمين، لتستبدل بالاستنجاد بقوة الآخر وطلب حمايته، وفتح قواعده لمعادات المسلمين والإعانة على الفتك بهم؟
وكيف غابت مفاهيم الوحدة والتآخي لتحل محلها العداوة والتقاتل؟ وكيف أصبحنا رحماء على الأعداء أشداء بيننا؟
كيف ضُربت الذاكرة، وتخلّف الوعي بسنن التاريخ، وغابت نصوص القرآن المحكمة، وسقطت مرجعياتنا في اختبار ما يجري على أرض المحشر والمنشر؟ وكيف يُعطي العلماء ظهورهم لنصوص آخر الزمان التي تحفّز على الوقوف مع الحق والعدل وعلى رأسها قضية فلسطين؟
هل ندفع اليوم فاتورة الخذلان؟ أم أننا في مرحلة الفرز الأخير بانتظار الحسم الإلهي لصالح المحقين والمستضعفين؟يقيناً، إن الكون وما يجري فيه لا يقع إلا بعلم الله وإذنه، وقد رتّب الله الأمور بحكمته، وماعلينا إلا أن نعمل بما يرضيه، واضعين أمام أعيننا قوله تعالى: ﴿ قَالَ كَلَّا ۖ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾ (الشعراء 62).



