النصر الاستراتيجي أعظم
المبالغة في توصيف الانتصار، والمبالغة في توصيف الهزيمة، يحملان في طياتهما نفس النتائج المؤدية غالباً إلى فقدان القدرة على الاستفادة من النصر، ثم مراكمة أسبابه، لرسم طريق نصر جديد، وكذلك بخصوص الهزيمة، فإن المبالغة في توصيفها يوصل إلى رسم خريطة هزيمة يصعُب من بعدها وضع آليات تمحو تلك الآثار السلبية التي رسخت في العقل الجمعي للمجتمع المهزوم.
ومن الجانب الآخر، فإنّ أي انتصار في معركة لا يعني الانتصار العسكري فقط، فعندما نفوت على العدو تحقيق أهدافه التي خطط لها ووضع كل آليات الوصول إليها، حتى وصل إلى اليقين الكامل بأنه سوف ينتصر في هذه المعركة، ثم ينظر إلى كل خططه فيجدها صارت أدراج الرياح، فهذا نصر للمجاهدين ولخيار مقاومة الاستكبار، وإن بدت الصورة الظاهرة مؤلمة، لكنها في العمق الاستراتيجي هي نصر عظيم، ربما تكون آثار هذا النصر أبلغ بكثير من النصر في المعركة الظاهرة.
فهذا القائد العسكري الكبير وهو اللواء احتياط في الجيش الإسرائيلي “إسحاق بريك” يتحدث عن التطورات العسكرية في غزة فيقول: “إن الجيش لا يملك القدرة على إسقاط المقاومة حتى لو طال أمد الحرب”، ويُضيف قائلاً: “لا فائدة من استمرار القتال في غزة، وإسرائيل ستتكبد أضراراً جسيمة، إن استمرار الحرب قد يؤدي إلى انهيار جيش الاحتياط والاقتصاد، وإن دخول رفح سيكون المسمار الأخير في نعش قدرتنا العسكرية على إسقاط المقاومة في غزة”.
ومن الناحية الأخرى، من أمريكا الراعية للكيان الصهيوني، والداعمة لروايته حتى بين أفراد شعبها، والتي تنفق مليارات الدولارات على هذا الكيان الوظيفي، فقد أفاد استطلاع الرأي الأمريكي، حسب ما أوردته صحيفة “يسرائيل هيوم العبرية” أن 63% من الطلاب الأمريكيين يُعبرون عن دعمهم للمقاومة في غزة، و43% من الطلاب شاركوا بنشاط في مخيمات الاحتجاج المساندة لغزة، و 15% يعتقدون أنه ليس لإسرائيل الحق في الوجود.
لا أريد أن أسرد كلمات قادة العدو الصهيوني التي تذخر برائحة اليأس والشعور بالفشل، ولا بما تردده شبكات إعلامهم ضمن الحوارات الداخلية لديهم، والتي تُشير في معظمها إلى حالة الإحباط التي أصيب بها الداخل الصهيوني في عمق عقيدته العسكرية والأمنية والثقافية بل والأيدولوجية، ولا أريد كذلك تسليط الضوء على تصريحات لوزراء ورؤساء أحزاب وكتل نقابية وطلابية، في العديد من الدول الغربية، سواء ما وصل إلينا، أو ما تم التعتيم عليه عن سابق إرادة وتخطيط خوفاً من النتائج المؤدية له.
ولكني أسأل وبحرية وموضوعية وواقعية، أليس هذا نصراً استراتيجياً يفوق كل الانتصارات؟ كون نتائجه تعدت مكان المعركة ووصلت إلى كل العالم الذي كنا نأمل منه فقط الإنصاف في الوقوف مع قضايانا، وتصديق رواية حقنا، هذا هو اليوم يشاركنا المعركة من عواصم العالم كله، أليس التغيير الحاصل لدى الكثير من الكتاب والإعلاميين والسياسيين العالميين هو نصرٌ لم نكن نتوقعه قبل طوفان الأقصى، والأسئلة كثيرة، والأجوبة إيجابية، لقد انتصرنا ولم يزل جسم المقاومة سليماً، والمطلوب منا اليوم هو كيف نمارس كل وسائل المقاومة والجهاد بصدق وصبر ويقين بأننا وكما قال تعالى: ﴿ وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ﴾.
منسّق الملتقى العلمائي العالمي من أجل فلسطين
الشيخ الدكتور عبد الله كتمتو