غزة ليست ملعبًا

اليأسُ حالةٌ مرفوضةٌ عقلًا وشرعًا، ولا يتلبّس بها إلا الضعفاء في إيمانهم وعقولهم وقيمهم وإرادتهم. لذلك، يجب على أصحاب الفكر، والإرادة الصلبة، والقيم غير القابلة للتغيير والمساومة، أن يكونوا الملاذ الآمن لكل من يطلب سفينة النجاة عند الأزمات، وعند ضياع بوصلة الحقيقة، ليخرج الجميع، رغم الألم، منتصرين غير مهزومين.
غزة اليوم تشهد قضايا غريبة وغير مسبوقة بهذه الصورة المؤلمة، على المستوى الإنساني، والأخلاقي، والديني، والوطني، والسياسي، بل على مستوى الرجولة والوفاء للحق الذي يدّعيه الجميع.
الدبلوماسي اليوم يتدرّب على الحوارات والمماحكات السياسية وهو يتحدث عن غزة، فتُصبح عنده خبرة دبلوماسية عملية ربما لا يحصل عليها في الأوضاع الطبيعية. فإذا أنهى حواراته، انتهى عنده المشهد، ورجع ليجني لبلده موقفًا، ولنفسه موقعًا، ثم يبحث عن أزمة جديدة ليدخل المعترك الدبلوماسي ويجني ما يجني. أما القضية التي رافع عنها بكل تفاصيلها وآثارها، فمتروكة إلى الموازين الدولية، وعلى المتضرر الانتظار.
وكذلك تلك الجمعيات المعنية بحقوق الإنسان في الحروب والنزاعات، فإنها لا تختلف كثيرًا عن الحركة الدبلوماسية، لأنها ستجد مكانًا منكوبًا تنطبق عليه شروط عملها، فيأتي فريقها ليمارس أجندته، فيُثبت فاعلية مؤسسته، ويحصل على المزيد من الوجود والدعم. أما أصحاب القضية، فينتظرون الحل والفرج من تلك الدول “المنتصرة”، التي شكّلت كل هذه المؤسسات بعد الحرب العالمية الثانية. فهل ستحسم الأمر، أم أن هناك مصلحة تجعل من كل ذلك الحراك حبرًا على ورق؟
أما الإعلام وشبكاته، فهو السوق الذي يدرّ آلاف الدولارات، ويشغّل الكثير من الأشخاص الجالسين في بيوتهم، ينتظرون الأحداث ليكتبوا ويصوّروا، ويتفحصون من سيدفع أكثر لتُكتب الأخبار كما يريد، ولو اضطر الإعلام لتزوير الحقيقة. أما أصحاب القضية، فهم ليسوا أكثر من مهرجان إعلامي، فدماء أطفالهم ونسائهم وشهدائهم ليست سوى ألوان في الصورة التي يريدون إخراجها للعالم. وأما معامل السلاح، فحدّث ولا حرج، فهو موسمها الأفضل.
بل، وعلى الأغلب، فإن مالكيها هم من ينفثون سموم الحقد والكراهية بين البشر بكل الصور الخبيثة والدنيئة، ليبيعوا أكبر قدر من السلاح لكل أطراف النزاع، وليموت الجميع ويفني بعضهم بعضًا. المهم: كم من الثروة ستُجمع من هذه الحرب؟! إنهم غير معنيين بانتهاء الحرب، ولا بإحلال الأمن والاستقرار والسلام؛ ما يعنيهم فقط هو بقاء السوق مفتوحًا.
أما حال الدول والتحالفات الجديدة وفق الجغرافيا السياسية التي ستُرسم بعد الحرب، فلا تقلّ عن سابقاتها انتهازية. فالمهم هو المحافظة على تحالفات تحفظ مكانة الزعيم وفريقه، واستمرارهم في مناصبهم أطول مدة، والمحافظة على مصالح في ظاهرها لبلدانهم، ولكنها في حقيقتها لأنفسهم، والفتات منها لشعوبهم. أما أصحاب القضية، فعليهم أن ينتظروا كثيرًا، لعلهم يحصلون على وعود بحل قضيتهم. وليس أخيرًا: السماسرة، والخونة، والعملاء، الذين يشترون كل الأقنعة، ليلبسوا في كل مكان القناع المناسب، ويحصلوا على أكبر أجر لقاء الدور الذي قاموا به. أما أصحاب القضية، فعليهم أن يتحمّلوا كل هذه الأدوار الكاذبة، لأنهم محاصرون، وليس أمامهم سوى انتظار الفتات… أو الموت والاستسلام.
يا أصحاب القضية: إن انتظاركم سيطول، إلا إذا قررتم ألّا تُسقطوا البندقية، وألّا تنسوا الوطن. فإن صبركم على المكاره أهون بكثير من صبركم على المهانة.
منسّق الملتقى العلمائي العالمي من أجل فلسطين