المفتي العام لسلطنة عمان الشيخ أحمد بن حمد الخليلي يرسل جواباً حول استفتاء دعم القطاع الزراعي في غزة وعموم فلسطين
سلطنة عمان
وزارة الأوقاف والشؤون الدينية
مكتب الإفتاء
6/2/1443 هـ
13/9/2021 م
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبيه الأمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد..
فتحية طيبة وسلامٌ عاطرٌ ودعاءٌ خالصٌ لإخواننا في الله/ أعضاء الحملة العالمية للعودة إلى فلسطين، والملتقى العلمائي العالمي من أجل فلسطين/ حفظهم الله تعالى ورعاهم، وسدد على طريق الخير خطاهم، وحقق مطالبهم ومناهم.
وبعد..
فبكل شرف تلقيت رسالتكم الكريمة المؤرخة 1 محرم 1443هـ الموافق 9 آب 2021م المتضمنة بيان الأوضاع المأساوية التي يعانيها إخواننا في فلسطين من عدوانٍ مستمر، وتخريبِ الأراضي الزراعية، التي توفّر للعائلات الفلسطينية بعض الضرورات اللازمة للأمن الغذائي، إلى غير ذلك مما نسأل الله تعالى أن يُعجل الفرج منه، وأن يُمدّ إخواننا الفلسطينيين بألطافه اللدنية ورعايته الشاملة ليستردوا حقهم كاملاً غير منقوص، ويرد كيد أعدائهم جميعاً في نحورهم، ويخلص إخواننا هناك والمسلمين جميعاً من شرورهم.
وقد تضمنت الرسالة الكريمة سؤالين:
1- ما حكم دعم المشاريع الزراعية لإخواننا التي اعتدى الاحتلال على أراضيهم بشكلٍ أدّى إلى تخريب منشآتهم وتدمير آلاتهم وأدواتهم الخاصة بالزراعة، وعاقهم عن متابعة العمل في مزارعهم؟
2- هل يجوز تقديم جزء من أموال الزكاة الواجبة إلى هؤلاء المساكين الذين فقدوا رزقهم كلياً أو جزئياً، وتحت أي مصرف من مصارف الزكاة يكون ذلك؟
ودونكم ما يسره الله تعالى من الجواب/
1– دعم المشاريع الزراعية وغيرها مما ينعش حياة الشعب الفلسطيني المجاهد فريضةٌ واجبةٌ على الأمة المسلمة، كلٍ بقدر يُسره واستطاعته، ووجوب ذلك على الذين بسط الله لهم من فضله ووسع لهم الأرزاق هو أوكد وأعظم، (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ) الطلاق 7، والآية وإن كانت سيقت لسببٍِ خاص فإن إطلاق لفظها يشمل جميع الأحوال التي تقتضي الإنفاق، ولا يقيد ذلك إطلاقها، فالمطلق كالعام، وقد ذهب جمهور العلماء إلى أنه لا عبرة بخصوص السبب مع عموم اللفظ، على أن القرآن الكريم دلّ على أن في المال حقوقاً من غير الزكاة المفروضة، وذلك في قوله تعالى: (لَّيْسَ ٱلْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ ٱلْبِرَّ مَنْ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلْءَاخِرِ وَٱلْمَلَٰٓئِكَةِ وَٱلْكِتَٰبِ وَٱلنَّبِيِّنَ وَءَاتَى ٱلْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِى ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَٰمَىٰ وَٱلْمَسَٰكِينَ وَٱبْنَ ٱلسَّبِيلِ وَٱلسَّآئِلِينَ وَفِى ٱلرِّقَابِ) البقرة 177، فقد دلّ العطف في قوله: (وَأَقَامَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَى ٱلزَّكَوٰةَ) على التغاير بين الحقوق المذكورة من قبل وبين الزكاة التي تخرج من أعيان خاصة ببلوغها النصاب الشرعي وبمقادير مخصصة إذا حال عليها الحول أو حضر عليها حصادها إن كانت من جنس الثمار والزروع.
ولهذا ذهب بعض العلماء إلى أنّ الحق الواجب في المال لا ينحصر في الزكاة وحدها فثم حقوقٌ لا يشترط في وجوبها حولٌ ولا نصاب، ولا تقدر بنسب مخصوصة، وإنما هو بحسب ما تقتضيه الضرورة وتفرضه الحاجة، وهو من التعاون الذي أمر الله به في قوله: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى) المائدة2، ومن التكافل الاجتماعي بين المسلمين، الذي دلّ عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم: (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره) وترك المسلم يكابدُ وحده حاجته وضرورته هو من الخذلان والعياذ بالله.
ولا ريب أن إخواننا في فلسطين هم في رباطٍ مستمر، فيجب على المسلمين أن يشدوا أزرهم بأموالهم وبأنفسهم وبكل ما يقدرون عليه، ومما يدخل في ذلك دعم مشاريعهم الحيوية التي تبعثهم على النشاط وتزيد عزائمهم قوة وإرادتهم إصرار على الحق.
هذا ما أعتقده وأتقرب إلى الله تعالى باعتقاده وببثه بين إخواننا المسلمين، الله أعلم، وهو حسبنا وكفى، وعليه وحده نعوّل.
2- هؤلاء هم أحقّ الناس بالزكاة وأولى بأن يخصص لهم النصيب الأكبر من زكوات الأمة الإسلامية، فهم من ناحية محتاجون والزكاة إنما تدفع لدرء خصاصة المحتاج، ومن ناحية أخرى هم مرابطون في سبيل الله، وقد ثبت عن زيد بن خالد رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من جهز غازياً في سبيل الله فقد غزا، ومن خلف غازياً في سبيل الله يخير فقج غزا)، وإذا كان هذا الغزو في سبيل الله فكيف بمن عدا العدو على دراه واحتلّ أرضه؟ فبكلا الاعتبارين تحق لهم الزكاة، ويجب تخصيص النصيب الأكبر منها لهم، والله أعلم.
نسأله سبحانه أن يجمع الشمل ويؤلف بين القلوب لتلتقي جميعاً على نصرة الله تعالى في أرض فلسطين وغيرها، وهو نعم المولى ونعم النصير.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أحمد بن حمد الخليلي
المفتي العام لسلطنة عمان