قطع الطرق والأرحام من جرائم الإنسانية العظام.. قاطعوا الأوصال قطاع طرق الزمن الحاضر
وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ
اللَّهُمَّ إنَا نسألك الفوز عَنْدَ القَضَاءِ، ومنازل الشهداء، وعيش السعداء، والنصر على الأعداء، ومرافقة الأنبياء.
من عجائب زمن التقدم العلمي، أن تكون توجهات الناس متأثرة بما تتم صناعته (تقنيات متطورة، وأسلحة مدمرة للبشر والشجر والحجر)؛ لسد الاحتياجات المادية فحسب، وتغليب تلبية الشهوات الغريزية الجامحة؛ على حساب تناسي القيم الأخلاقية، وتجاهل الرفعة الروحية.
في زمن المصطلحات السياسية الرنانة (العلمانية، الإنسانية، حقوق الإنسان)؛ تجد الصوت بلا تأثير، والكلمة جوفاء بلا تعبير؛ تُداس القيم، وتُدنَّس الحرمات، وتُرتكب الفظائع دونما رمشة عين تطرف للمحافظين على عروشهم وكروشهم، ممن رضوا بالحياة الدنيا؛ يشاركون في الجرائم بصمتهم، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً، ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل، مع ادعاء الغيرة والحمية أحياناً.
إن الإنسانية تتقطع أوصال جماعتها بأحد ثلاثة أوصاف، ويكون بها التدابر بين أبناء البشرية، ويكون بها ابن الإنسان على أخيه الإنسان أشد من الوحوش والبهائم، وأقسى من كل ما في الوجود؛ فما بالك إذا اجتمعت؟!!!
الصفة الأولى: نقض العهود والمواثيق، وعدم الاكتراث بالبشر، وإنما سعيها الحثيث لتحقيق المصالح الذاتية الخاصة ولو على حساب الكون كله.
ولكن الفسق (الخروج عن الجادة والصواب والحق) أصبح سمة عصر الانحطاط الأخلاقي، حيث تمرد البشر، ونقضوا العهد التكويني، رغم أن معرفة الله بدهية لذوي العقول المستقيمة المدركة.
إن الوفاء بالعهود والمواثيق هو شأن المؤمنين، أما غيرهم من المنافقين والمجرمين والمعتدين والمحتلين فلا يحسون بمسؤولية أمام الله، ولا أمام الناس.
والتاريخ يشهد بأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عقد ميثاقاً مع اليهود فنقضوه، وعقد صلح الحديبية مع المشركين فنكثوه؛ فماذا يُنتظر من أحفاد أولئك؟!!
والوصف الثاني من أوصاف الخارجين عن الحق:
أنهم يقطعون ما أمر الله به أن يوصل، ويفصلون ـ بالجدار العازل ـ كل متصل، داخل الأرض المحتلة، ومع المحيط القريب في بر الشام، وكنانة مصر، ويجعلون الفلسطينيين في الداخل أجزاء متفرقة، ويبعدونهم ـ قدر ما يملكون من بطش القوة ـ إلى شتات، ويعملون على تمزيق أوصال الأمة التي يجب أن تكون موحدة.
فما أشبههم بقطاع الطرق المجرمين، ممن يقطعون السبيل بين بني الإنسان، ويمزقون الأرحام بين بني البشر.
مع أن الإنسانية كلها رحم واحدة، كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1].
إن الرحم الإنسانية ثابتة بين الناس:
ومِن قطعها أن يتحكم القويُّ في الضعيف.
ومِن قطعها أن يُنْظَر إلى الناس على أنهم طبقات تكون سبباً للاستكبار؛ فيستعلي الغني على الفقير، وأن تختلف المعاملة بين الأمم، وأن تتنافر الشعوب، ولا تتضافر الجهود، والله تعالى يقول: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13].
ومِن قطع الرحم الإنسانية أن ينقطع التعاون بين الناس؛ فلا يكون على أساس من البر والتقوى، بل يحل محله التعاون على الإثم والعدوان.
والوصف الثالث من أوصاف الخارجين عن جادة الصواب:
أنهم يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ.
والفساد يشمل فيما يشمل: بث روح النزاع المستمر بين الناس؛ قبائل وشعوباً، وإيقاد نار الحرب باسم العنصرية البغيضة، والعصبية القبلية، أو بتغيير ديمغرافي مصطنع، دون مراعاة شعور أصحاب الأرض ولا إحساس لدى الآخرين، أو بالرغبة في أن تربو أمة على أمة، أو بفعل التنافس الاقتصادي، حتى ينظر الإنسان لأخيه الإنسان نظرة مَن يتربص به الدوائر.
إنّهم لا عهدٌ لهم ولا ميثاق، ولا أمان لهم ولا إيمان، ولا يَصِلون القرابة بل يقطعون الأرحام، وليس لأحدٍ عندهم نفعٌ ولا رجاءٌ، يعيشون لأنفسِهم، ولا يعلمون أن الدنيا أخذٌ وعطاء، ومع كلِ هذا فهم مفسدون في الأرض؛ فلهم اللعنةُ، ولهم سوءُ العاقبة في الدنيا والآخرة.
إن عاقبة غاصبي الحقوق وقاطعي الطرق، تظهر في قوله تعالى: {فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ} [المؤمنون: 53].
خسائرهم الداخلية كبيرة، وخسرانهم في العاقبة محتوم.
ونصر الله للمؤمنين وعد صادق، وهو حتمي وأكيد.
الأستاذ الدكتور الشيخ علاء الدين زعتري