غربٌ بلا أخلاق
الحديث عن السقوط الأخلاقي لأمريكا وعموم الأنظمة الغربية، نتيجة لتحالفها الشيطاني مع الكيان الصهيوني، لا يعني بأي حال الإقرار بأن هذه الأنظمة أخلاقية أصلاً، بل هو حديث عن أدلة جديدة دامغة بأنها لم تكن أخلاقيةً في يوم من الأيام.
إنَّ الفكرة التي قامت عليها المنظومة الاستعمارية، منذ طلائع الاستعمار البرتغالي والإسباني والهولندي، وحتى المنظومة الأمريكية، هي “فكرة فرعونية” تقوم على المبادئ والسياسات نفسها التي قامت عليها “الإدارة الفرعونية”، والتي تلخّصها آيات القرآن الكريم في مواطن متعددة، منها:
- الاستعلاء والقتل والإفساد: (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ؛ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ). (القصص:4)
- الاستكبار والطغيان: (وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرِي… وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ). (القصص:38-39)
- احتكار الحقّ والمعرفة: (قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ) (غافر:29)
وهذه المنظومة الفرعونية تقوم على نفي الفكرة الأساسية التي بنى الله سبحانه وتعالى عليها العلاقات البشرية، وهي فكرة التعارف والتكامل الإنساني، فالآخر بالنسبة للغرب الاستعماري لا يمكن أن يكون شريكاً أو صديقاً، وإنما هو “منافس”، فإمّا أن تتمَّ إبادته إذا كان ضعيفاً، أو التسليم له بجزء من المنافع إلى أن يحين وقت التخلّص منه.
وهذه العقلية التنافسية عقلية لا مكان للفضائل فيها، لأن الفضائل تُبنى على الإيمان بالغيب، والبذل، والإيثار؛ وهذه أخلاق لا تتناسب مع الرأسمالية الاستعمارية أبداً، التي لا تعرف إلا النهب والاحتكار والاستغلال.
بهذه العقلية صنع الغرب الاستعماري هذا الكيان الغاصب، وبها يواصل مساندته بكل صنوف الدعم العسكري والاقتصادي والسياسي والإعلامي، ويمنع اتخاذ أي قرار يزعج المجرمين في “إسرائيل”، أو يعكّر صفوَ أحلامهم في إبادة الشعب الفلسطيني.
وبالتالي لا يمكننا أن نتصوّر قيام هذا الغرب بمراجعة علاقاته مع الكيان المجرم؛ لأنّه إن فعل ذلك فسوف ينتهي إلى تغيير منظومة بلغت من العمر أكثر من خمسة قرون، وولغت في دماء ملايين الناس من كل بقاع الأرض، ولا زالت تستنزف خيرات الشعوب، من إفريقيا إلى آسيا إلى أمريكا اللاتينية، وحيثما استطاعوا.
لا أخلاق لهذا الغرب الرسمي، ولا قيم ولا فضائل؛ ولا سبيل إلى تراجعه عن سياساته إلا بمنطق المقاومة الأخلاقية الشريفة، التي نرى أنموذجها الواضح في فلسطين.
ولئن ظنَّ الغرب وأمريكا والكيان الصهيوني أنّ هذا التوحّش الإجرامي الذي لا سابق له، وهذا القتل الفاحش، والدمار الذي جعل الأرض يباباً، والحصار والتطبيع والتخاذل والتآمر؛ كل ذلك يمكن أن يصرف الشعب الفلسطيني عن مبادئه وخياراته، وأن يجعله يندم على إيمانه بخيار المقاومة؛ فإنَّه ظنٌّ كسراب لا حقيقة له ولا مصداق.
إنَّ كل جريح وكل شهيد وكلّ بيت يدمّر يضاف إلى رصيدنا قوةً وإيماناً وعزيمة ويقيناً بأنّ هذا العدو ومن معه شرٌّ لا بد وأن يزال من الوجود، وأننا أصحاب حقّ لا ريب فيه، وأن الاستكانة تعني المزيد من الاستكبار لدى العدو ومن يدعمه، وأنَّ المقاومة هي الخيار الأكثر أماناً وحفظاً للدماء والأموال والأعراض.
هذه المعركة التي تجري اليوم في فلسطين تدور بين الفلسطينيين وبين الصهاينة ابتداءً، ولكنها في مداها الواسع بين جبهتين، بين أصحاب الأخلاق المنتشرين شرقاً وغرباً، وبين الأنظمة اللاأخلاقية التي تمثّلها حكومات الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا ومن معهم من الخانعين، (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ).
بقلم الشيخ محمد أديب ياسرجي
أمين سر الملتقى العلمائي العالمي من أجل فلسطين