مقالات

القدس والأقصى.. أو لا نكون !

تشكّل اقتحامات المسجد الأقصى سياسة إرهابية، تعتمدها حكومة الكيان الغاصب باستخدام المستوطنين، لفرض الأمر الواقع على العالم، وعلى الفلسطينيين قبل كل الناس، وإجبارهم في المرحلة الأولى على الرضوخ للتقسيم الزماني والمكاني للمسجد الشريف، كما حصل من قبل في المسجد الإبراهيمي بالخليل.

ولكي نحيط بأبعاد هذه السياسة، وأن الصهاينة لن يتراجعوا عنها حتى تحقيق غايتهم، أو إبعادهم كلياً عن المسجد والمدينة المقدسة؛ يجب أن نعلم أن هذه الاقتحامات تستند إلى قرار سياسي تُجمع عليه كل الأحزاب الصهيونية، وتساندها فيه الدول الكبرى الداعمة للكيان، مع تواطؤ غير مسبوق من الأنظمة العربية الأساسية.

الهيكل والدين اليهودي هنا هو لعبة وأداة بيد الصهاينة، الذين لديهم قرار بالذهاب إلى أبعد مدى في التطرف الديني، وإن كان كثير منهم ملحدون في الحقيقة ولا يؤمنون حتى باليهودية كدين، ولكن الدين ضرورة وجودية بالنسبة لهم، ولذلك يجري توظيفه في كل مفصل يمكن استثماره فيه.

وبالعودة إلى موضوع الاقتحامات، نجد أنّه وفقاً لحظر “الهلاخاه” اليهوديّ الذي صدر عام 1967، بعد احتلال المسجد الأقصى، فإنَّه (يمنع دخول اليهود إلى جبل الهيكل “المسجد الأقصى”، لأنه يخالف قانون الطهارة، إذ طالما لم يحدد موقع الهيكل الثاني بدقة، فإنَّه من الممكن أن يكون أي يهودي يدخل إلى تلك المنطقة عرضةً لأن يخطو من دون قصد فوق قدس الأقداس)، وهو ما يعد محرماً وفق الشريعة اليهودية.

وقد دأب حاخامات كبار، وإن لم يكونوا أقل عنصرية وعدوانية تجاه الفلسطينيين، على التذكير بأن محاولة الصعود إلى ما يقولون إنه “جبل الهيكل”، هو محرّم قطعاً، ومنهم الحاخامان زلمان نحميا غولدبرغ وآشر فايس، وعضو مجلس حكماء التوراة ديفيد عوفاديا يوسف، وكتب غولدبرغ: (من المعروف للجميع أنه وفقا للقانون اليهودي، يحظر على اليهود الدخول إلى أي جزء من جبل الهيكل. إنه انتهاك خطير لأحكام أسلافنا).

وبالرغم من هذا التحريم الأرثوذكسي اليهودي الصارم، فإن القادة الصهاينة لا يقفون عنده، لأنهم يدركون أهمية المسجد الأقصى إلى الفلسطينيين وغيرهم من العرب والمسلمين، كما يعلمون يقيناً أن وجود ما يسمّى “دولة اسرائيل” هو وجود ناقص، بل مهددٌ وسريع الزوال ما لم يكن للشعب الإسرائيلي معبد مركزي، هو الهيكل، ولا معنى لهذا المعبد إذا كان في غير القدس وفي غير جبل المسجد الأقصى.

منذ العام 1967 تعمل الحكومات الصهيونية المتعاقبة على الوصول إلى اللحظة التي نحن فيها الآن، حيث يحاول الصهاينة إدخال القربان لتقديمه ضمن المسجد الشريف؛ والاستمرار قُدُماً في انتزاع الولاية الإسلامية عليه، وإبعاد غير اليهود تماماً – مسلمين ومسيحيين – عنه وعن المناطق المحيطة به، وخاصة في سلوان وعلى جبل الزيتون وفي وادي قدرون ومقبرة باب الرحمة وحي الشيخ جراح، وهذا هو مشروع الحوض المقدس الذي شرع الكيان الغاصب في تأسيسه منذ عقود، وفي إطار العمل عليه تندرج عمليات السيطرة على الأوقاف المسيحية الفلسطينية وتهجير أهالي الشيخ جراح والقرى المحيطة بالقدس الشريف.

إذن ليست مواجهات هذه الأيام في المسجد الأقصى وما حوله مواجهات عادية، بل هي جزء خطير من معركة مصيرية، لا معنى لأي نتيجة لها ما لم تكن القدس والمسجد الأقصى وكنيسة القيامة نظيفة تماماً من أي تهديد صهيوني، ومن بعدها سائر بقاع فلسطين.

واضح هو التخاذل الرسمي العربي والإسلامي تجاه الموقف الخطير، لكن مقولة (القدس هي المحور) يجب أن تأخذ أبعادها لدى كل حرّ وشريف ومؤمن بحق العودة وتحرير فلسطين.

الكيان الغاصب نفسه يدرك أن القدس هي المحور، وهو يُدير برامجه العدوانية على هذا الأساس، ويسعى جاهداً لكي يفوز بمبتغاه.

فهل نكون على المستوى، أم يطبّق الله سبحانه وتعالى علينا قانون الاستبدال: (إِلا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئًا).

محمد أديب ياسرجي 
أمين سر الملتقى العلمائي العالمي من أجل فلسطين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى