مقالات

غزة.. عربات جدعون تنكسر في بيت حانون

بقلم الشيخ محمد الناوي

﴿يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غُزًّى: لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قُتلوا، ليجعل الله ذلك حسرةً في قلوبهم، والله يُحيي ويُميت، والله بما تعملون بصير﴾ آل عمران: 156.

لا يزال العدوّ يمارس حرب الإبادة بشراسة في غزة الصابرة المحتسبة، ولا يزال الصمت الدوليّ الرسميّ يشكّل غطاءً وداعمًا لهذه الحرب، بل لا تزال شحنات الأسلحة تتدفّق إلى هذا الكيان اللقيط، رغم الإعلان عن تدنّي المخزون التسليحيّ لدى داعميه بسبب طول مدة العدوان.

وهذا يشير بوضوح إلى أن العدوّ وداعميه قد اتخذوا قرارًا فعليًا بمواصلة إبادة هذا الشعب المظلوم، لأنهم يدركون يقينًا أن وقف الحرب سيضع “إسرائيل” في حالة عزلة دولية، بل وربما تحت المساءلة عن جرائمها. ولذلك، يسعى الاحتلال، كمخرج من أزمته، إلى تكريس أمرٍ واقعٍ جديدٍ تُقرّه دول العالم، يقوم على محو فلسطين وشعبها من ذاكرة التاريخ والجغرافيا، تمامًا كما فعل الأوروبيون مع الشعوب الأصلية لأمريكا.

وعليه، فإنّ التسلّح باليقين، والصبر، والعمل على استمرار المقاومة، من أهمّ الخيارات الاستراتيجية التي تضمن للمؤمنين نصرهم، وتحفظ للشهداء دماءهم.

إنّ الله تعالى، حين يخاطبنا بقوله: ﴿فإن مع العسر يُسرًا، إن مع العسر يُسرًا﴾ الشرح: 5–6، فهو يُطمئننا بأنّ لكلّ معاناةٍ نهايةً، وأنّ اليُسر الآتي يفوق الشدّة التي مضت، حتى يُنسينا الألم، ويبدّله الله فرحًا ونصرًا.

علينا أن نكون على جهوزيةٍ دائمة، فالصراع بين الحقّ والباطل صراعٌ أبديّ، وما يجري من ويلات إنّما هو مقدّمةٌ لنصرٍ إلهيٍّ عظيم، يمنّ الله به على من عاش الفزع وصبر، وأدرك أن كلّ ما يجري إنّما يقع بعلم الله وحكمته، وأنه سبحانه لن يترك عباده، مهما اشتدّ العدوان أو طال زمن الخذلان.

فإنّ نصرًا موعودًا بحجم تحرير الأقصى والأرض المباركة، لن يكون بالمجّان، ولن يُمنح لكلّ من ادّعى الانتساب إلى دين محمد ﷺ، بل لا بدّ، قبل أن يخلع الفاتحون نعالهم على أبواب القدس، أن يُثبتوا بدمائهم وصدقهم أنهم أهلٌ لهذا العطاء الإلهيّ العظيم.

يأبى الله ورسوله أن يتحرّر المسجد الأقصى على أيدي المُطبّعين، وقد ثبت في النصوص أن التحرير لا يكون إلا بالجهاد، ولن يبقى في ساحات الشرف إلا من امتحن الله قلبه للتقوى.

لقد بات مصير الأمة، بل والعالم بأسره، مرهونًا بمستوى التفاعل مع ما يجري على أرض غزة.

فعلى صعيد الأمة، لا يزال الموقف ضعيفًا للغاية – إن لم نقل معدومًا – من حيث الإسناد الماديّ والمعنويّ، ولا تزال الأمة غارقةً في خلافاتها، تائهةً في ترتيب أولوياتها، بل إنّ بعض الأطراف لا تزال تُحرّض على الفتن، بينما يتحيّن العدوّ اللحظة المناسبة لفناء الجميع.

وما جرى قبل أيام في بيت حانون، يؤكّد أن المقاومة ما زالت بكامل عنفوانها، وأن أحلام العدوّ باجتثاثها باتت أبعد من أن تُدرك. كما أن صبر أهلنا في غزة يُمثّل الدعامة الأهمّ لاستمرار المواجهة حتى اندحار الاحتلال بالكامل.

وعلى الأمة أن تُقدّم ما بوسعها لدعم هذا الصمود، وتثبيت هذه المقاومة في هذه اللحظة التاريخية الفارقة. ﴿والله غالبٌ على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون﴾ يوسف: 21.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى