مقالات

سرابُ وخزيُ التطبيع

ستبقى الإدارة الأمريكية والكيان الصهيوني الغاصب يغوصون في أوحال المنطقة، وكأنهم يسيرون في طرقات من الرمال التي لا يزيدهم السير فيها إلا مزيدًا من العناء دون تحقيق أي ثمرةٍ حقيقية، لأنهم يسيرون في اتجاه سراب خُيّل لهم أنه حقيقة.

ظنّ كلٌ من الأمريكان والصهاينة أنهم – وفي مسارعتهم بحركة التطبيع مع بعض الأنظمة العربية – سينقذون وجودهم المهدد، وسيسرّعون في نهب المنطقة أكثر فأكثر، وسيُخضعون المنطقة لنظام عالميٍ جديد يكونون هم سادته ومُديريه، وقد غاب عن ذاكرتهم البعيدة والقريبة أن حركة الحكام شيء وحركة الشعوب شيء آخر:

حركةُ الحكّام ضابط إيقاعها من أوجدها وشغّلها وكلفها بوظيفة معينة.

أما حركة الشعوب فهي السعي نحو حريّتها وكرامتها واستقرارها مهما كلفها الوصول إلى ذلك من ثمن، لأنها على قناعة بأن ثمن الكرامة والحريّة هو أقل بكثير من ثمن الذل والانكسار والتبعية وفقدان الهوية.

إنّ المتابع لردة الفعل الشعبي للشارع العربي والإسلامي يُدرك حجم تمسك الشعوب بحقها، وتضامنها مع بعضها البعض حول قضاياها الكبرى من جهة، وتجاوزها لحركة حكامها، بل إدانتها لحركة حكام التطبيع من جهة أخرى.

وهذا الموقف ليس محصورًا في مذهب أو دين، بل شمل كل المذاهب الإسلامية على حد سواء، وشاركهم الموقف إخوتهم في الكنيسة الوطنية ذات المرجعية الحقيقية التي تُعبّر عن الموقف الصادق بالمحافظة على المقدسات الإسلامية والمسيحية في فلسطين عمومًا، والقدس خصوصًا.

ويمكننا قراءة المشهد بوضوح أكبر عند متابعتنا لحجم المؤتمرات التي عُقدت مؤخرًا وفي أكثر العواصم، العربية منها وغير العربية، والإسلامية منها وغير الإسلامية، رغم تحدي جائحة كورونا التي منعت المؤتمرين من التواجد في مكان واحد، ولكنها عجزت عن منعهم من اللقاء عبر أدوات التواصل المختلفة، ليعلنوا من خلالها موقفهم الرافض للتطبيع والمخوّن لكل من يسعى له أو يدعمه أو يتغاضى عن إدانته بأي صورة للإدانة.

سيبقى كل الأحرار المسلمون منهم والمسيحيون، وكل دعاة الإنسانية والحرية والكرامة، داعمين لحركة تحرر الشعوب عمومًا، وتحرير الشعب الفلسطيني والمقدسات الإسلامية والمسيحية في الأقصى والقدس، ولن يمنعهم من ذلك جور حاكم، أو تدليس سياسي، أو خداع أقلامٍ مأجورة.

وسيبقى المطبع يشعر من داخله بأنه بلا كرامة، وأنه يسير عكس تيار الحق، وعكس إرادة شعبه، وعكس مايرشده إليه دينه وضميره، وأنه سوف يأتي عليه يومٌ تنتهي فيه مهمته التي رضي حملها والقيام بها، وسيُلقيه من شغّله في مزبلة التاريخ، ولن تنفعه يومها كل الأموال التي جمعها، ولا كل المنصات التي فُتحت له، وسيقول بلسان حاله: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا} الفرقان 27.
والسلام على باعثي الوعي والكرامة

الشيخ الدكتور عبد الله كتمتو
منسق الملتقى العلمائي العالمي من أجل فلسطين


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى