مقالات

الاحتلال شرٌّ من الزلزال

لا زالت بلادنا ترفع حتى اليوم أنقاض البيوت التي تهدّمت، فأوقعت إصابات فادحة في الأنفس والأموال، وارتقى عشرات آلاف الشهداء في سورية وتركيا، وتشرّد ملايين السكان من بيوتهم، والله المستعان.

هؤلاء الذين أصيبوا في هذا الزلزال هم شعبنا الذين لطالما وقفوا إلى جانب فلسطين، وحملوا قضيتها في قلوبهم وعقولهم، منذ خمسة وسبعين عاماً وحتى اليوم، ودافعوا عنها بالسلاح وباللسان؛ فمصاب هؤلاء هو مصاب القدس وجنين وغزة، وهذا ما عبّر عنه الشعب الفلسطيني من خلال الموقف العملي، حتى لقد قامت أمهات شهداء فلسطين فقدَّمنَ ما بقي لديهنّ من مدّخرات لأجل دعم إخوانهم المصابين في الزلزال، مع كلمات ورسائل مؤثرة تعبّر عن الحبّ الذي يحملنَه لحلب واللاذقية وإدلب، وغيرها من المدن المصابة؛ والتي لطالما قدّمت الشهداء في سبيل فلسطين.

هذا الزلزال ومواقف الدول المتباينة تجاه آثاره، ووحدة الموقف الشعبي العربي والإسلامي نحوه؛ كلُّ ذلك يعلمنا الكثير من الدروس:

1- إنَّ كل محاولات الاستعمار لتمزيق وحدة الشعوب، وإشغالها بقضايا جزئية عن قضاياها المشتركة والكبرى، سوف تسقط عند أول مناسبة تحتاج للتضامن والتكاتف.

وهذه المحبة والنجدة التي أظهرتها اليومَ أمتنا من مغربها إلى أقصى مشرقها، هي نفسها المحبة التي ستدفع أبناء هذه الأمة لتحرير فلسطين، وهي التي تصون هذه الشعوب عن السقوط في وحل التطبيع.

2- إنَّ هذه الأزمات، كما قضية فلسطين، تكشف السقوط الأخلاقي المريع للأنظمة الغربية، ومتاجرتها الفاضحة بالمبادئ الإنسانية وحقوق الشعوب.

ولئن جعلوا الزلزال مناسبة لتكريس العنصرية والتمييز، كما ظهر في العديد من مواقف المسؤولين الغربيين، فإنّ هذه العنصرية كانت جليّة واضحة بأشنع صورها في فلسطين، التي تغيب تماماً عن شاشاتهم، ولا مكان لسيرتها ما يجري في فلسطين من قتل وتدمير وتشريد لا في أسماعهم ولا في أبصارهم، التي عميت وصمّتْ عن شعبٍ لم يرقأ نزف دمه أبداً، وعن محتل مجرم لا يزال يمعن في عدوانه وقتله وتدميره، واكبر ما يعينه على ذلك عِلمُه بأن لا أحد في العالم سوف يسائله أو يحاسبه، فضلاً عن استمداده المال والسلاح من هؤلاء الذين يدّعون رعاية حقوق الإنسان.

3- إنَّ الشعب الفلسطيني أكبر من الآلام والمآسي التي يسببها هذا الاحتلال الغاشم؛ وأنَّ كل ما جرى ويجري عليه لم ولن ينسيه أو يمنعه من تقديم يد المعونة والمساعدة إلى إخوانه الذين أصيبوا في الزلزال، وبذلك ينطبق عليهم المثَل الذي حدّثنا عنه رسول الله ﷺ عندما قال: (سبقَ دِرهمٌ مئةَ ألفِ درهمٍ). قالوا: وَكَيفَ ؟ قالَ ﷺ: (كانَ لرجلٍ درهمانِ تصدَّقَ بأحدِهِما، وانطلقَ رجلٌ إلى عُرضِ مالِهِ، فأخذَ منهُ مئةَ ألفِ درهمٍ فتصدَّقَ بِها).

فدرهم فلسطين خير وأعظم بركةً بإذن الله من قنطار غيرهم؛ حاشا الصادقين الذين نجدهم في كل البلدان.

4- ويبقى الزلزال نتيجة لعوامل طبيعية، مهما كان مؤلماً فإنّ الناس تتلقاه بالصبر لعلمها أنّه بقضاء الله تعالى وقدَره، ولكن الاحتلال عدوٌ لله، والبطش والظلم والقتل والتدمير الذي يمارسه الصهاينة في فلسطين هو إعلان حرب على شريعة الله في الناس، التي تأمر بالعدل والخير والإحسان.

وعلى الكاذبين الذين يمدون شمالهم بفتات المساعدات لضحايا الزلزال، أن يكفوا يمينهم أولاً عن مدّ الكيان الغاصب بكل صنوف الدعم المالي والعسكري والمعلوماتي؛ فالإنسانية كلها تعاني من هذا الوباء الذي اسمه الصهيونية، ولابدّ له من علاج، من أجل خير الناس، كل الناس.

بقلم الشيخ محمد أديب ياسرجي
أمين سر الملتقى العلمائي العالمي من أجل فلسطين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى