مؤتمر شرم الشيخ للسلام أم عرض مسرحي؟

بقلم الدكتور صابر أبو مريم – الأمين العام لمؤسسة فلسطين باكستان
في 13 تشرين الأول/أكتوبر الجاري، أُقيمَ في شرم الشيخ حدثٌ ضخمٌ تحت راية ما سُمي “مؤتمر السلام”. ترأس الحدث الرئيس ترامب، وحضره رؤساء دول غربية وعربية وإسلامية، حيث بلغ عدد الدول الممثلة فيه 20 دولة، بالإضافة إلى الأمين العام للأمم المتحدة.
من المفارقات أن المهمة التي كان ينبغي أن يقودها الأمين العام للأمم المتحدة نُفِّذت بقيادة الرئيس الأمريكي. الذي أوهم العالم مجددًا بأن أمريكا لا تزال تهيمن على السلطة وتُملي النظام العالمي. وهي الإدارة الأمريكية نفسها التي استخدمت حق النقض ضد ست قرارات لمجلس الأمن الدولي تدعو إلى وقف إطلاق النار في غزة.
كيف يمكن لقوة كهذه أن تتحدث الآن عن “السلام”؟ هذا سؤال يُقلق ضمير كل عاقل.
قبل حضوره المؤتمر، زار ترامب فلسطين المحتلة، وألقى خطابًا أمام الكنيست الصهيوني، حيث اعترف صراحةً بتورطه في الإبادة الجماعية في غزة، متفاخرًا بأن “نتنياهو يطلب مني باستمرار المزيد من الأسلحة، وقد زودته بأسلحة بقيمة 21 مليار دولار، وقد استخدمها بفعالية”. في اليوم التالي وصل ترامب نفسه إلى شرم الشيخ وهو ينادي بالسلام.
لم ينس العالم أيضًا أنه قبل بضعة أشهر فقط، أمر ترامب بشن غارة جوية على دولة إيران ذات السيادة، منتهكًا جميع القوانين الدولية. وهو نفسه الذي هدد روسيا بعقوبات، وتحدى سيادة أفغانستان بإعلانه أن الولايات المتحدة ستسيطر على قاعدة باغرام الجوية، وبموافقته، واصل الكيان الصهيوني حملات القصف في اليمن ولبنان وسورية. فكيف يمكن لمثل هذا الرجل أن يدعو إلى السلام ؟
فيما يتعلق بما يُسمى بمؤتمر السلام في غزة، حاول ترامب مجددًا الترويج لوهم مفاده أن أمريكا والكيان الغاصب ليستا عالقتين في مستنقع سياسي. لكن الحقيقة عكس ذلك تمامًا. لم تُحقق الأسلحة التي تبلغ قيمتها 21 مليار دولار أي مكاسب استراتيجية، بل على العكس، ازداد التعاطف العالمي مع فلسطين، كاشفًا عن الوجه القبيح لكل من الولايات المتحدة وإسرائيل.
جرّ هذا الواقع ترامب ومجرم الحرب نتنياهو إلى مستنقع دبلوماسي بدا الخروج منه مستحيلًا. لم يتبقَّ لهما سوى التفاوض، مع حركة المقاومة الفلسطينية نفسها التي طالما وصفوها بـ”الإرهابية”. في النهاية، اضطرا إلى قبول شروط حماس في مراجعة اتفاق الهدنة.
لذا، لم يكن مؤتمر شرم الشيخ سوى “عرض مسرحي لترامب”، مُعدّ لإخفاء هذه الهزيمة ولم يكن القادة المدعوون سوى متفرجين مصفقين، واكتفى الحضور بالمشاهدة والتوقيع على الوثائق المعدة مسبقًا والعودة إلى ديارهم.
يا له من مشهدٍ مُخزٍ ومأساوي ! مؤتمر سلامٍ لم يُشر قط إلى مقتل 65 ألف مدني، معظمهم من النساء والأطفال. حتى لغة الاهتمام الإنساني غابت تمامًا؛ لم يتحدث أحد عن أمهات غزة، أو أطفال مخيمات اللاجئين، أو المدن المُدمرة. ثم، تحت ستار السلام، طُلب من الجميع التزام الصمت.
وفي الختام، انتهى مؤتمر شرم الشيخ، ولكن يبقى سؤال أخلاقي واحد: أي سلام هذا الذي يُبنى على أنقاض العدالة؟
ما حدث في شرم الشيخ يمكن تلخيصه في سطر واحد: إنّ السلام بدون عدالة ليس سلامًا على الإطلاق، والمؤتمر بدون فلسطين ليس إلا مسرحية.
وهكذا، ومع سقوط الستائر، انتهى عرض ترامب المسرحي، وترددت كلماته الأخيرة: “انتهى العرض. ليعود الجميع إلى منازلهم”.