مقالات

مُلهمةُ الأحرار

هناك تجديد لأمر الدين على رأس كل مئة عام كما ورد عن رسولنا ﷺ الذي لا ينطق عن الهوى، وهناك أشخاصٌ يُعيدون الإيمان بكثير من القضايا المفصلية في حياة الأمم، يُقيم الله تعالى بهم الحجة على البشر. وهناك قادة فكر يظهرون ويُصوبون بوصلة الأفكار التي انحرفت بسبب الضعف حيناً، والخور الناتج عن استدامة الخضوع للمستبدين حيناً آخر. وهناك فئة تقلب موازين ظنها البعض قدراً لا فكاك عنه، فتهاوت أمام العيان وظهرت بأنها وهم لا حقيقة لها إلا عند من عشيت عيناه بسبب الانبهار بالآخر. وهناك *مجاهدون* يستعيدون حركة الكرامة والحرية والعزة، فيُدخلوها إلى القواميس التي أُخرجت منها بسبب غفلة الشعوب عنها.

جهاد أهل فلسطين عموماً، وأهل غزة والضفة والقدس خصوصاً، قام بكل هذه الأمور معاً، فباتوا مُلهمين لكل حر في العالم يُريد استعادة ما سُرق منه، سواء كان المسروق كرامة أم أرضاً أم حريةً أم اقتصاداً أم أمناً أم إنسانيةً. وكذلك قد أعاد هؤلاء المجاهدون الأمل بأن إزاحة الظلم والظالمين ممكنة، وأن إسقاط منظومة الاستبداد وأهلها وأعوانهم بل روايتهم وسرديتهم مرهونة بإصرار المقهور على المُضيّ نحو كسر إرادة جلاده.

لقد رأينا معاينة حقيقية تفسير قول الله تعالى: ﴿بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ﴾، الذين انكسر بأس الطغيان على صخرة صمودهم شعباً ومجاهدين وأطفالاً ونساءً في مواجهة أعتى بأس في هذه الأيام. لقد أعادوا واستحضروا من التاريخ أحداثاً ربما شك البعض منا بأنها حدثت ذات يوم، نعم استحضروها بروحها وكأنها اليوم تحدث. هذا بلال بن رباح رضي الله عنه يهزم جلاده بصموده وإصراره على حقه بأن يحمل عقيدة تخالف عقيدة جلاده، حتى قال جلاده بعد أن استسلم له وباعه: “ما تركته إلا ملالة”، أي تعباً وعجزاً.

رصدنا بكل دقة إساءة الوجوه في أروقة المحاكم الدولية والبرلمانات الغربية، وفي الشوارع والعواصم الغربية، ما ذكّرنا بتفسير آية من كتاب الله، كان الضعف قد أنسانا إياها، وهي قوله تعالى: ﴿فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ﴾، وهذا ما ألهم الأحرار في معظم العالم بأن يُنادوا بالحرية لغزة، وبمحاكمة الكيان أمام المحاكم الدولية على جرائمه، وقد وضعوا بذلك حجر الأساس بأن لا مكان للطغاة بعد اليوم يتحكمون من خلاله بمصير الإنسان.

أسقط المجاهدون كل أقنعة الزيف، وخاصة قناع الإعلام الذي يُلمع صورة الجلاد، ويُشيطن صورة الضحية، هذا الإعلام الذي طالما خدم الاستبداد والظالمين وأظهرهم بأثواب الفضيلة والإنسانية والديمقراطية. سقطت رواية الكذب والخداع، وظهرت حقيقة الوجوه بأنها سوداء كالحة، مجرمة بطريقة نادرة، شرسة فاقت بشراستها كل الحيوانات المفترسة.

ألهم المجاهدون ومن وقف معهم ومن ساندهم كل مظلوم في العالم بأن الظلم يزول، وبأن الحق ينتصر، وبأن التاريخ يُمكن كتابته بطريقة أخرى غير التي يكتبها الطغاة ويُريدونها.

منسق الملتقى العلمائي العالمي من أجل فلسطين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى