فرعون عاد من جديد

من يظن أن شخصية فرعون، بكل ما حملته من ملامح وصفات وذهنية وسلوكية سادية، وكذلك النفر الذين من حوله، ومن يساندونه ويخضعون له طوعًا أو كرهًا، ومن يستفيدون من وجوده كونه يحقق لهم مصالح شخصية على حساب شعبهم وكرامته وحريته – من يظن أن هذا النوع من البشر لم يعد له وجود في زمن حضارة القرن الحادي والعشرين وما بعدها، فهو مخطئ، وخبرته بالسنن الكونية لا تزال طفولية، يلزمها فترة طويلة من النضوج لتصبح قادرة على قراءة المشهد بكل زواياه، ثم استخلاص العبر منه، ومن ثم وضع استراتيجية لعمله وفق كل الأحداث الجارية من حوله.
من هذا الوعي والفهم للتاريخ الإنساني وتجارب الشعوب، يمكننا فهم ذلك المثل الدال على وعي الشعوب السياسي لحركة الظلم والاستبداد وآلية مواجهته، إذ قالوا: “يا فرعون، من فرعنك؟ قال: لم أجد من يردعني.”
المتابع لكل أحداث العالم اليوم، يشهد – وبشدة – حضور الفكر الفرعوني بكل تجلياته: القارونية الاقتصادية، والفرعونية السياسية، والانتهازية الشعبية، والخنوع من أجل مجرد البقاء، ولو بلا كرامة.
ما يحدث في فلسطين، سواء في غزة أو الضفة أو القدس، أمام أعين وآذان كل المجتمعات الإنسانية، من قتل ممنهج للطفولة والأمومة والكبار والصغار، وبوحشية لم يسبق لها مثيل، وكذلك منع الدواء والعلاج عن كل من يحتاجه – وهو ما لم يحدث حتى في الحربين العالميتين الأولى والثانية – وسياسة التجويع التي استُخدمت كسلاح في هذه الحرب الفاقدة لكل المعايير الإنسانية، كل ذلك يذكّرنا بواجب النخب بكل أطيافها، والشعوب في كل أماكن وجودها، تجاه هذا الشعب الفلسطيني، الذي ليس له من ذنب سوى أنه يريد حريته وكرامته التي ضمنتها له كل الشرائع السماوية، والقوانين الدولية، والقانون الدولي الإنساني.
وفي حال عدم خضوع “فرعون الجديد”، فإن واجب ردعه يصبح واجبًا عالميًا، كي لا يعود الفكر الفرعوني ليحكم من جديد، ولأجل استبقاء العدالة والكرامة والحرية، قيَمًا يُحرَّم المساس بها أو التعدي عليها من أي سلطة كانت، وإلا فسنرى عودة لفرعون مرة أخرى، متسلحًا بكل أسباب القوة التي وصلت إليها معامل السلاح في العالم، وبكل التطور الاقتصادي القاروني الحديث، وبكل آليات إذلال الشعوب التي ابتكرها “فرعون القادم” ببذلته الرسمية والعسكرية الحديثة، وسيكون خطابه للجميع: “ما أريكم إلا ما أرى، وما أهديكم إلا سبيل الرشاد”.
فهل سنشهد في هذه الآونة رادعي الفرعونية الجديدة، المتسلحين بقوة الحق والعدل والكرامة والحرية؟
وهل سنشهد عدالة محاسبة الجناة والقتلة، لتعيش البشرية في أمان وسلام؟
هذا نداء الحرية، فأين العاملون لها، والساعون لئلا يولد فرعون جديد؟
منسق الملتقى العلمائي العالمي من أجل فلسطين