مجزرة الشفاء
ليس هناك دم إنسانيٌّ رخيص، وسيسأل الله تعالى عن كل قطرة سُفحت على هذه الأرض: لماذا أريقت ؟
وهؤلاء الشباب السبعة المساكين، من موظفي المطبخ المركزي العالمي، الذين قتلهم الجيش الصهيوني ليلة الثلاثاء الماضي، هم من الشهداء بإذن الله، ويضاف اغتيالهم إلى سجل الجرائم ضد الإنسانية الطويل، الذي سوف يحاكَم عليه قادة الكيان بإذن الله.
ولكن، ألا يحقّ لنا أن نتساءل: لماذا تعمّد الجيش الصهيوني قصف سيارة أولئك الشباب رغم علمه بمَن فيها، ثمّ اعترف بمسؤوليته عن الجريمة خلافاً لعادته في الإنكار، لينبريَ رئيس وزراء العدو بعدها مطالباً الجيش بإجراء تحقيق في الموضوع، وتنهال الإدانات من شرق الأرض وغربها لجريمة اغتيال موظفي هذه الهيئة الإغاثية، حتى من أولئك الذين يُسَمَّوْن (أصدقاء إسرائيل) ؟
إنَّها لعبة الإجرام الصهيوني، الذي استخدم دماءَ هؤلاء الشباب لكي يعطي وسائل الإعلام والمسؤولين الغربيين موضوعاً للحديث والتغطية الإعلامية وإبراز الحسّ الإنساني المزوَّر وإدانة الكيان على جريمة سيسارع إلى الاعتذار عنها وربما التعويض المادي لعائلات الضحايا؛ وكل ذلك من أجل التعمية على المجزرة الشنيعة التي ارتكبها للتوّ في مجمع الشفاء الطبي، والتي تضاف إلى قائمة من المجازر غير المسبوقة في التاريخ، والتي ينفّذها الكيان الغاصب في غزة منذ السابع من أكتوبر وحتى يومنا هذا، والتي تجاوز عدد ضحاياها 32 ألف شهيد، عدا عن عشرات آلاف الجرحى والمفقودين.
إنَّ مجزرة مجمع الشفاء الذي استمرت على مدى أكثر من أسبوعين، تمثّل تحديّاً صهيونياً للقوانين والشرائع، واستهزاءً بالبشرية كلّها، وهي جريمة موصوفة ضد الإنسانية، تدين كلّ القوى الغربية التي تمدّ الكيان الغاصب بسيل من الأسلحة الفتاكة لمتابعة حرب الإبادة.
لقد أصيب أكثر من 1500 فلسطيني في مجمع الشفاء ما بين شهيد وجريح ومفقود، نصفهم من النساء والأطفال، وتحدثت التقارير عن مئات الجثامين داخل المستشفى وفي محيطه، منها جثث محترقة وأخرى مقطعة الرؤوس والأوصال أو مقيدة وتمّ إطلاق النار على منطقة الرأس من مسافة قريبة، ما عدا الذين تمّ طمرهم تحت التراب بطريقة عشوائية، ومن بين ضحايا المذبحة العديد من الأطباء والطاقم الصحي وأكثر من 22 مريضاً على الأقل قتلوا على أسرّة المستشفيات بفعل الحصار “الإسرائيلي” للمجمع وحرمانهم من الرعاية الطبية والغذاء والطعام.
لقد تحول مجمع الشفاء وما حوله من الأبنية السكنية إلى مسرح للدمار، في مشهد يعيد إلى الذاكرة أقسى الصور التي رأيناها في مدن مثل هيروشيما وبرلين وستالينغراد، لدرجة أنّ بعض الفضلاء اقترح ألا يعاد بناء هذه البقعة والعديد غيرها من المعالم والأماكن في غزة، بعد انهزام العدوان بإذن الله؛ لتبقى حجارته الصامتة ناطقةً بحقيقة هذا الإجرام، وتكون شاهداً يعبر الزمان ليحكي عن ذاك الوحش الصهيوني الذي انتهك كل المحرمات، ويَدينه ومعه أولئك الذين ما زالوا يمدون الكيان المجرم بالوقود الذي يحرك به آلات الدمار، ويوفرون له الحماية في المحافل الدولية، ويسردون على الناس رواياته الكاذبة وأساطيره التي جعلها ذريعة لاستلاب حقوق الشعوب.
وإنّنا رغم ذلك لا نزداد إلا إيماناً بحقّنا، ويقيناً بانتصارنا على هذا العدو المجرم، وتحرير أرضنا وإعتاق إخواننا من سطوة هذه العصابة المارقة على الحقّ، والله نِعم الوكيل لنا.
﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (21) أُولَٰئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ (22)﴾ آل عمران.
بقلم الشيخ محمد أديب ياسرجي
أمين سر الملتقى العلمائي العالمي من أجل فلسطين