مقالات

الأقصى يلتهب

(هذه أرضُ الله، ولنا فيها وعدٌ منه، إنَّه وعدُ الآخرة. لا تيأسوا، فمهما فعلَ المحتلُّون وتطاولوا في احتلالهم وظلمهم وغَيّهم؛ فَنَصْرُ الله قريبٌ، ووَعْدُه لعبَاده بالنَّصر والتمكين أقرب).

هذه بعض الكلمات من وصية الأسير الشيخ خضر عدنان، الذي تجاوز يومَه الستين وهو مضربٌ عن الطعام احتجاجاً على اعتقاله إدارياً من قبل سلطات الاحتلال الصهيوني.

كلمات سجّلها بصوته الهادر، وإن كان يخرجُ من جسم نحيل ذائب؛ كما هدرت أصوات شباب القدس ونسائها وشيوخها في جنبات المسجد الأقصى خلال هذه الأيام، التي تشهد تكالباً صهيونياً ووقاحة غير مسبوقة في الجَهر بالإجرام والعدوان، والإصرار على فرض كلمتهم على المسجد الأقصى، لأنّ ذلك يعني تمريغ أنف كل هذه الأمة في التراب، ويعني إطلاق مرحلة بناء الهيكل المزعوم على أنقاض المسجد الأقصى.

ما حدث ويجري حتى الساعة في القدس الشريف والمسجد الأقصى، أمرٌ لا يقلُّ عن إعلان حرب صهيونية عالمية ضد العرب والمسلمين والمسيحيين وكل أحرار العالم، حرب تجري على أكثر من جبهة، في قطاع غزة ومدن الضفة وأيضاً على حدود لبنان وفوق سماء سورية التي تتعرض للقصف، ولكنّ محور هذه المعركة يدور في القدس وحول المسجد الأقصى.

هذه الحرب تَميزُ الناس إلى فئتين، فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة، مهما كانت عناوين وأسماء من ينتمي إلى هذه الفئة أو تلك، لأنّ سبيل الله هو الذي تحدده قيم العدل والخير والكرامة والعطاء والسماحة والإحسان.

وأما طريق الكفر فهو طريق الاستكبار والظلم والعدوان على الناس والقتل واستباحة الإنسان، في ماله أو أرضه أو عِرضه أو كرامته أو حياته.

ولا شك في أنّ العقلاء والمنصفين لا يمكن إلا أن يقولوا: إنَّ فلسطين هي التي تمثل اليوم القِيَم التي تنطوي تحت عنوان (سبيل الله)، وأنّ الصهيونية وكيانها الغاصب هي أشنع مثال عرفته البشرية حتى اليوم عن انتهاك حرمات الإنسانية والإنسان.

لا أدري ماذا يمكن أن نكتب لنعبّر عن حال إخواننا في فلسطين، ولعل الصور التي نُقلت من داخل المسجد الأقصى تكفي للتعبير عن خطورة ما يجري.

دماء الأبرياء تسيل في جنبات البقعة المباركة التي طهّرها الله، وشُذَّاذ الآفاق يتحلّقون حول أصحاب الدار لكي يخرجوهم من مسجدهم وديارهم، والأمةُ ما بين قادرٍ غافلٍ، ونابهٍ عاجز، فمتى يتنبّه القادرون، أو يقوى النابهون ؟

وفي الأمة فريق ثالث أيضاً، لعلَّه المختار لكي تكون يقظة الأمة على يديه، أولئك المستمسكون بالحقّ، المقبلون على الفضيلة، المسارعون في الخيرات؛ ولا أجد لهم مثالاً خيراً من هؤلاء المرابطون حول المسجد الأقصى، الذين لبّوا النداء من أجل الذَود عن حرمته وكرامة هذا الدّين وقدسية الإنسان وحرية الأوطان.

هؤلاء هم الموعودون بالنجاة، ومن معهم من الأصفياء في كل أنحاء العالم، الذين يشدّون على أيديهم، ويدعمون جهادهم ورباطهم، وهؤلاء هم الذين سيتحقق لهم تحرير المسجد الأقصى، ولهم نقول: امضوا لما أُمرتم فإنكم بفضل الله المنصورون:

(وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190) وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ، وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ. وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّىٰ يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ؛ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ. كَذَٰلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (191) فَإِنِ انتَهَوْا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (192) وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ؛ فَإِنِ انتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ (193) سورة البقرة.

بقلم الشيخ محمد أديب ياسرجي
أمين سر الملتقى العلمائي العالمي من أجل فلسطين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى