فلسطين رمز صراع الخير والشر
سيدي محمد ولد جعفر – الجمهورية الإسلامية الموريتانية
فلسطين الأرض المباركة، التي اختارها الله موطناً للعديد من النبيئين والمرسلين والصالحين، إليها هاجروا وبها ولدوا وبها شبّوا، وفي فضائها خاطبهم الله وحياً ومن وراء حُجبٍ وأرسل إليهم رسلاً، وفي أديمها دفنت أجسامهم الطاهرة، وعليها تكالبت الأمم غزاة ونهبة ومدمرين منذ أقدم العصور ليطفؤا نور الله والله متم نوره، لعبت بها عبر العصور أيدٍ آثمة، وسكنتها قلوب طاهرة خاشعة، وظلت في أحداث البشرية باسمة للأفراح واجمة من الأتراح، في دورة صراع الخير والشر والحق والباطل.
في لحظة من لحظات تجلي الوعد الحق، صارت قبلة النبي الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم، ومنها ارتقى ليرى من آيات ربه الكبرى، ولتبقى هذه البقعة المباركة في قلب كل مؤمن، ولتبقى مأساتها وحزنها ودمارها رمز صمود وشموخ، وحجة الله على كل من في قلبه مرض نفاق من قادة هذه الأمة الكثر.
أعتى صولات الشر على الخير هو ما تعيشه الأرض المباركة في هذه اللحظات، وهي اللحظات الأسوأ في تاريخ الأمة، حيث دولتا “الطوق” الأكثر حظوة عند مُبيري الشعب الفلسطيني يمنعون حتى الطيور من عبور أجوائهم، ليضعوا بيضاً في عش متهالك لعله يسقط فتلتقطه أرملة فلسطينية تغذي به صغارها.
ولإحكام القبضة علينا حتى ننسى فلسطين، زج بنا في أتون حروب مذهبيات، واستحضرت مآسي الماضي المرعبة والمحزنة باعثة روح الانتقام والاصطفاف والثأر، ولتعميق الجراح حتى أصبح أخ الدين والجيرة واجب القتل، وعدو الدين المجاهر والبعيد هو الصديق والحليف للمتمكنين والمتنفذين، فأعلنوها حرب تنفير وتكفير منذ انتصار الثلة المؤمنة في جنوب لبنان على العدو الصهيوني، وبعد تلك الممهدات زحفوا بجيوشٍ من شذاذ العالم مفتحة لهم أبواب المال والسلاح والإعلام ، مهمتهم تدمير كل بلد به حر همه تحرير الأقصى، فاثخن الشام جراحًا حتى لا يكاد حراكًا، وقبله مزق العراق أشلاءً حتى أصبح لا يكاد يبين، وتمت شيطنة العصبة المؤمنة في لبنان (حزب الله) ومزّق اليمن شر ممزق، وبلاد فارس (إيران) ركن الإسلام المكين، المحاصر منذ أربعة عقود، جرمها الوحيد إيمانها بالله العزيز الحميد، وتسخير كل قدراتها لعزة الأمة ونصرة الأقصى. إنهم يكيدون لها كيدًا.
والله غالب على أمره
في عام 1977 ودون مقدمات وطأت قدما رئيس مصر أرض القدس “المدنسة” مصافحًا يد بيغن الملطخة بدماء الفلسطينيين، صادمًا في الصميم قلب كل مسلم وعربي وكل حر نصير لمظلوم، شافعًا جريمته باتفاقية كامب ديفيد، التي أزال بها حملًا ثقيلًا كان يمثله أكبر جيش عربي عن كاهل العدو الصهيوني، مُشرعًا لهم الأبواب لتدمير المقاومة الفلسطينية، وحلفائها من شرفاء لبنان على حدود فلسطين الشمالية، فترجم العدو جريمة الخيانة “المهداة له” بجرائم صبرا وشاتيلا، وما قبلهما وما بعدهما.
في قمة هول الصدمة كانت بلاد فارس تعيش مخاض ولادة النور الذي بعث الأمل بأنّ للأقصى حماة شهماً لن يدعوه يضيع، أعاد الإمام الخميني قدس الله سره، القضية بزخم جديد أخرجها من أيدلوجيات حركات التحرر إلى رحابة الإسلام وعالميته، ليكون كل مؤمن بما نزل على محمد صلى الله عليه وسلم يعتبرها قضيته الأولى التي سيسأل عنها يوم الحساب، ظل الخميني والذين جاؤوا من بعده خاصة المرشد الراشد آية الله الخامنئي كهفاً وحصناً منيعاً، تحطمت عليه كل مؤامرات طمس معالم الأقصى، رغم الصعاب والأزمات والمحن، زلازل ماحقة وخطط بارعة رسمت في غرف مظلمة ومضيئة ورصدت لها أموال بحجم جبال تهامة، لوأد الحلم والأمل ولإطفاء نور المشاعل التي تحملها سواعد أحفاد سلمان المحمدي مصداقاً لحديث “هم قوم هذا” كي تظل البوصلة وافئدة المؤمنين الخلص مشدودة نحو فلسطين.
في بيت المقدس وفي أكنافه، ومن أرضه الخراب تفجرت أمواج طوفان الأقصى ومن غزة هاشم بالتحديد ظهر شبان يرون القتل مجداً وشيب في الحروب مجربينا، فتداعت عليهم الأمم منتصرة للشر ضد الخير والباطل ضد الحق، وخذلهم أخوة الدم والدين والجيرة والمذهب، وحدهم أتباع آل بيت المصطفى عرباً وفرساً هم الذين لبوا النداء، في هذا الظرف الخاص من تاريخ الأمة.