مقالات

(وَلَا تَعۡتَدُوٓاْ) العدوان والاعتداء ظلم وفساد في الأرض

الأستاذ الدكتور الشيخ علاء الدين زعتري

أيكون عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) مسؤولاً عن شاة إذا عثرت بشط الفرات ولا يكون الحكام والعلماء اليوم مسؤولين عن دماء المسلمين؟

لم يعد ما يجري اليوم في (غزة) مسألة سياسية، بل هي مصير الإنسان صاحب الأرض، ومالك الحق، وهو يرى العدوان عليه، دون هوادة، بل بوحشية غير مسبوقة.

ويزداد الألم من العدوان عندما يصمت (أصحاب القرار)، بل ترى صانعي السياسات يؤيدون هذا الاعتداء المتواصل؛ غير عابئين بعواطف الإنسانية في العالم أجمع، التي تشعر بشعور (أهل غزة)، وتتألم بألمها.

فها هم شعوب الأرض قاطبة من العرب والمسلمين وأحرار العالم يقاتلون الصهاينة المجرمين، بالوسائل المتاحة لديهم؛ بالكلمة، والموقف، والمقاطعة، والحصار، وتضييق الخناق، والمؤازرة؛ مادياً ومعنوياً.

والحرب مستمرة إلى أن يستقر الحق في قراره، ويندحر المعتدون الآثمون، المجرمون؛ مهما طالت المدة الزمنية، ونرى النصر قد اقترب.

والقتال قائم مهما ازداد ارتقاء شهدائنا إلى العلياء؛ متمسكين بحبل النور والضياء، موصولاً من الأرض إلى السماء، فلن نتوقف عن الجهاد والمقاومة حتى ندفع عن بيت المقدس أدناس الصهيونية.

نعم، لقد قال الله عزَّ وجلَّ: (‌ولا ‌تَعْتَدُوا)، أي: لا تظلموا؛ بالفعل المباشر في القتل، ولا تظلموا في السكوت عن العدوان وعن القتل.

عن ابن عباس (رضي الله عنهما) في قوله تعالى: {وقاتلوا في سبيل الله الذين يُقاتلونكم ‌ولا ‌تعتدوا إنّ الله لا يحب المعتدين} يقول: “لا تقتلوا النساء ولا الصِّبيان ولا الشيخ الكبير” [الطبري].

والساكت من الحكام مساهم في قتل الأبرياء، ومشارك في قتل النساء والأطفال وكبار السن، يفسد في الأرض ولا يصلح، يهلك الحرث والنسل.

{لا تعتدوا} في السكوت عما يجري في (غزة هاشم) فالتكليف الشرعي يحتم رفع الظلم والاضطهاد عن الإنسان، وقد أذن الله للمؤمنين بالدفاع عن أنفسهم، قال تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} [الحج: 39]؛ و(غزة) اليوم تدافع عن نفسها وعن أمتها.

الاعتداء: مجاوزة الحق، وفعل الباطل، وكل الباطل في تأييد المحتلين، وفي السكوت عن المعتدين.

والنصوص العامة في القرآن تحرِّم العدوان على الآخرين، قال الله تعالى: {إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}.

كما تمنع العدوان على الآمنين المسالمين، قال الله تعالى: {فلا عدوان إلا على الظالمين}.

وأصل القتال في القرآن لدفع الاعتداء، وجاء قوله تعالى {لا تعتدوا} في سياق الآية الآمرة بالمقاتلة، للإشارة إلى أمرين:

أولهما: وجوب الاستعداد الدائم للقتال، فتوقع الاعتداء أمر واقع؛ تبعاً للطبيعة البشرية في حب التغلب والسيطرة، قال تعالى: {وَأَعدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّة ومِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكمْ}، ولا شيء يمنع الاعتداء أكثر من الاستعداد لدفع الاعتداء.

ثانيهما: القتال في سبيل نصرة الحق، وواجب دفع الظلم، وفرض التوقف عن معاونة المظلومين ضد الظالمين؛ وذلك حق على كل مؤمن، وإن لم يكن الاعتداء واقعًا عليه بشكل مباشر.

فلقد بارك النبي صلى الله عليه وسلم حلف الفضول، وقد كان عهدًا بين المتحالفين أن ينصروا المظلوم على الظالم.

فالحرب يجب ألا تشتعل، وإذا اشتعلت فيجب ألا تمتد؛ فتسيطر على النفوس والعقول، وتدفعها في تيارها اللاهب المدمر، وتقذفها في أتون الحقد والكراهية بغير وازع من رحمة، أو رادع من خلق، أو رعاية لحق الإنسان في الحياة، أو حفاظ على نفسه وماله وكرامته وحريته.

فللحرب أغراض لا يصح تجاوزها، وأخلاق لا يجوز التفريط بها، وقواعد وأحكام لا يقبل أن يتعدى حدودها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى